تعليق دائرة المعلومات والصحافة في وزارة الخارجية الروسية في ضوء نشر العقيدة النووية الجديدية للولايات المتحدة الامريكية

160-03-02-2018

اثار مضمون العقيدة النووية الجديدة ( ما يسمى باستعراض السياسية النووية) التي نُشرت في الولايات المتحدة في 2 فبراير، شعورنا بالخيبة. وتبرز في هذه الوثيقة، منذ النظرة السريعة لها، روح المواجهة والاتجاه المناهض لروسيا. ومن المؤسف اننا نلاحظ ان الولايات المتحدة الامريكية تبرر سياستها بزيادة الاسلحة النوية على نطاق واسع، بالاشارة الى التحديث الذي تجريه روسيا للقوى النووية، وبالزعم بزيادة دورالأسلحة النووية في مذاهب روسيا. ويتهمومننا بخفض عتبة إستعمال الاسلحة النووية وب" الاستراتيجيات العدوانية"

ولاعلاقة لكل هذا بالوضع الحقيقي للامور. ان العقيد العسكرية لروسيا الاتحادية تحد بوضوح من امكانية استخدام الأسلحة النووية بسيناريوهين افتراضيين تحملان طابعا دفاعيا محضا: ان الاسلحة النووية او غيرها من انواع سلاح التدمير الشامل تُستعمل فقط في الرد على عدوان ضد روسيا و(او) حلفائنا، وكذلك، وهذا هو السياريو الثاني ـ باستعمال المعتدي الأسلحة التقليدية، ولكن فقط تلك التي تُعرض وجود روسيا للخطر. وقد أدخلت العقيدة العسكرية لعام 2014 مصطلحا جديدا هو "النظام غير النووي" الهادف، كما يؤكد، الى منع العدوان بالإعتماد، في المقام الاول، على القوات المسلحة التقليدية، وليس على القدرات النووية

وهكذا، يبدو ان الاستعداد الذي اعلنت عنه الولايات المتحدة في الاستعراض المذكور بالالتجاء إلى الأسلحة النووية من أجل منع روسيا من إستعمال أسلحتها النووية، هو محاولة للتشكيك في حقنا بالدفاع عن النفس، عند التصدي لعدوان يخلق حالات حرجة لوجود الدولة. ونود ان نعرب عن الامل بأن واشنطن على علم بالدرجة العالية من الخطر الذي ينشأ عند ترجمة توجيهات العقيدة تلك الى تدابيرعملية ملموسة في مجال التخطيط العسكري

وما يثير القلق البالغ هو مقاربة واشنطن " غير المحدودة" من الناحية العملية، في مسالة استعمال الأسلحة النووية: حيث يجري الإعلان عن إمكانية إستعمالها في حالات " الاوضاع القصوى" التي لا يحصرها واضعوا العقيدة ابدا في سيناريوهات الحرب. وحتى السيناريوهات تلك تُعرض بشكل غامض مما سيسمح "للمخططين" الامريكيين النظر الى أي شكل من اشكال استعمال القوة العسكرية كذريعة لإنزال ضربة نووية ضد كل من يعتبرونه "معتدي". واذا كان كل هذا ليس زيادة في اهمية عامل السلاح النووي في توجيهات العقيدة، فما هو اذن المضمون الذي تعطيه الولايات المتحدة لهذا المفهوم، عندما تتحدث عن روسيا؟

وعلى خلفية إعلان استعراض الوضع النووي تلك التوجيهات، تجري خطط تحديث عميق للأسلحة النووية الأمريكية. وتشكل على وجهة الخصوص الخطر في هذا السياق المشاريع المذكورة في العقيدة النووية الامريكية الرامية لإنشاء ذخيرة " منخفضة القوة" للصواريخ المجنحة ذات المرابطة البحرية المجهزة بالمعدات النووية، والرؤوس " الخفيفة" لصواريخ الغواصات البالستية " ترايدينت ـ II". ان الأسلحة النووية بمثل هذه المواصفات تصمم ك " سلاح في ميدان المعركة". ويتزايد اغراء استخدمها بحدة خاصة بالاقتران مع الاحتفاظ بحق الضربة الاستباقية، كما مبين في العقيدة الامريكية الجديدة. ان الضمانات بان تنفيذ هذه الخطط لن تخفض عتبة استخدام الاسلحة النووية ينطوي، باقل تقدير،على محاولة لتضليل المجتمع العالمي. والخطورة الأكثر النابعة من صفحات العقيدة النووية، تكمن ان العسكريين الامريكيون وغيرهم من الخبراء في مجال الأمن القومي، يؤمنون في قدرتهم على نمذجة تطوير نزاعات يفترضون استخدام شحنات حربية نووية " منخفضة القوة" فيها. وبالنسبة لنا ان النقيض واضح: ان خفض " عتبىة الشروط" الى حد كبير، يمكن ان تؤدي الى نشوب حرب صواريخ نووية، حتى خلال النزاعات المنخفضة الكثافة

ويتعين علينا بالطبع ان نأخذ في الاعتبار المقاربات التي دخلت في تداول واشنطن، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان امننا

ان الوثيقة الامريكية مشبعة بمختلف انواع الكلشيهات المناهضة لروسيا، ابتداءا من مزاعم "السلوك العدواني" وكافة أشكال "التدخل" الممكنة، وانتهاءا بتهم ليست أقل بعدم صحتها في " انتهاكات": لائحة طويلة من الاتفاقات في مجال الرقابة على التسلح. ان واشنطن تكرر في الآونة الأخيرة كلشيهات ذات طابع قطعي، من دون توقف. ونرى في هذا محاولة غير نزيهة، ترمي الى تحميل الاخرين مسؤولية تدهور الوضع في مجال الأمن الدولي والاقليمي والخلل في آليات الرقابة على التسلح، التي كانت نتيجة لسلسلة من خطوات غير مسؤولة، خطتها بالذات الولايات المتحدة

ان روسيا تفي بالتزاماتها بكافة الاتفاقات الدولية. ونحن نلتزم بثبات بمعاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقريبة المدى، وبمعاهدة السماء المفتوحة. ونحن لم ننتهك باي شكل من الاشكال وثيقة فيينا لعام 2011 بشان تدابير بناء الثقة والأمن وبشأن مذكرة بودابست. واوضحنا مرارا وتكرارا وبشكل علني طبيعة افتراء البيانات المخالفة لذلك. وفيما يتعلق بمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في اوروبا، ان روسيا لايمكن ان تنتهك هذه الوثيقة، اذ انها علقت مشاركتها فيها في عام 2007. وقد حدث ذلك لأن المعاهدة التي وضعت في عصر المواجهة بين الحلفين العسكريين / السياسيين : منظمة معاهدة وارشو وحلف الناتو، لم تعد تناسب واقع اليوم، حينما جرى حل أحد الحلفين منذ زمن طويل، بينما وعلى العكس من ذلك، يزيد الآخر قدراته ويوسع "جغرافيته ". وقد انعكس هذا الواقع في اتفاقية تكييف معاهدة القوات المسلحة التقليدية في اوروبا، التي رفضت بلدان الناتو وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، وبخلاف روسيا، المصادقة عليها

ولا أساس لصحة زعم استعراض الوضع النووي الامريكي الجديد، بان روسيا تتهرب من تنفيذ المبادرات الرئاسية لعامي 1991ـ92 التي تتعلق بالالتزام السياسي بشان سحب الأسلحة النووية غير الاستراتيجية من الخدمة القتالية وتقليصها. ان روسيا نفذت المبادرة، وقضت على الجزء الاكبر من هذه الوسائل، وقلصت ترساناتها بثلاثة ارباع، ونقلتها الى فئة الأسلحة غير المنشورة، وركزتها في قواعد التخزين المركزية في اطار اراضيها. وكان ذلك حدثا غير مسبوق بسعة نطاقه للحد من الوضع العملياتي لصفة الاسلحة النووية، واعادة النظر في دورها، ومكانتها في العقيدة العسكرية الوطنية. وبالرغم من ان المبادرات لم تتمتع بصفة قانونية دولية ملزمة، فانها تبقى اليوم ملحة بالنسبة لنا

والجدير بالذكر ان الولايات المتحدة الامريكية على خلفية ذلك، تحتفظ وكالسابق في اوروبا، وحتى تجري تحديثات على اسلحتها النووية التاكتيكية، ونشرها على مقربة من الحدود الروسية. وعلاوة على ذلك فتوجد في الناتو ممارسة ما تسمى " بالبعثات النووية المشتركة"، التي تشارك في اطارها الدول اعضاء الحلف غير النووية في التخطيط لإستعمال الاسلحة النووية الامريكية، وتشارك في التدريب على معالجتها، وهذا انتهاك فظ لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية

وهناك مثال آخر على " التزوير" ـ يتمثل بالتاكيد الوارد في الوثيقة، الذي يزعم ان روسيا ترفض اجراء تخفيض لاحق للاسلحة النووية. لقد اكدنا مرارا التزامنا بالمادة السادسة من معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية. واشارنا مرات عديدة الى انفتاحنا على مناقشة أية قضايا تتصل بتعزيز الأمن الدولي. ولفتنا انتباه الجميع، بما في ذلك الامريكيين، الى ان خلق الظروف المناسبة للتقدم على سبيل نزع السلاح النووية سيساعد على حل المشاكل الرئيسية في سياق ضمان الاستقرار الإستراتيجي مثل نشر، من طرف واحد على نطاق عالمي وغير محدود، نظام الدفاع المضاد للصواريخ الامريكي، وتنفيذ مفهوم " الضربة الكونية" ورفض الولايات المتحدة الامريكية المصادقة على معاهدة الحظر الشامل على التجارب النووية واستبعاد امكانية نشر الاسلحة في الفضاء الكوني

ومن الواضح تماما ان الجهود المبذولة في مجال نزع السلاح تتطلب مشاركة جميع الدول التي تمتلك قدرات نووية عسكرية وبالدرجة الاولى بريطانيا وفرنسا التي ترتبط بعلاقات تحالفية عسكرية ـ نووية مع الولايات المتحدة الامريكية. وهذا الاخير هو المُلح اكثر، في ضوء اعلان العقيدة النووية الجديد عن ردع روسيا بمساعدة اجمالي قدرات القوى النووية لكافة اعضاء حلف الناتو. ونلفت الانتباه بشكل خاص الى ان الامريكيين لم يذكروا في هذه الوثيقة على الاطلاق، التزاماتهم بالمادة السادسة من معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية

وفي ضوء ما سبق فان المقاطع الواردة في العقيدة حول إهتمام واشنطن ب "علاقات مستقرة" معنا والاستعداد للعمل البناء من أجل الحد من المخاطر ذات الصلة، تبدو نفاقا

ومن جانبنا نحن مستعدين لمثل هذا العمل. وندعو الولايات المتحدة الى ان تعمل معنا بجدية في إيجاد حلول للمشاكل المتراكمة في مجال دعم الإستقرار الاستراتيجي