حول تطور الوضع في سوريا
ظل الوضع في معظم الأراضي السورية هادئاً نسبيا. ولم تسجل الاشتباكات إلا في تلك الجيوب التي لا يزال الوجود الإرهابي فيها: في إدلب وفي الجنوب الغربي من البلاد ـ حول قريتي خادجن وسوسة، والتي كان الأمريكيون وحلفاؤهم الأكراد يحاولون دون جدوى، طرد بقايا داعش بالفعل منها، وفي الصفا التي يقوم الجيش السوري الحكومي بتطهيرها من الإرهابيين.
استمر تنفيذ المذكرة الروسية ـ التركية الموقعة بتاريخ 17 سبتمبر، بشان إحلال الاستقرار في منطقة تخفيف التصعيد" إدلب". وعلى الرغم من النجاحات التي تحققت بإقامة منطقة منزوعة السلاح على طول حدود هذه المنطقة، كما قضت المذكرة، فمن السابق لأوانه الحديث من الانتهاء من العمل الضروري. ويقوم الإرهابيون من " جبهة النصرة" وحلفاؤهم من التشكيلات غير المشروعة، بتنظيم استفزازات يومية: قصف المناطق السكنية في غرب حلب، وبذل محاولات يائسة لاختراق مواقع جيش الحكومة السورية على الجانب الجنوبي في اتجاه مدينة حماة، والتحرشات في جبال اللاذقية. وتم في أكتوبر تسجيل حوالي 200 حادثة من هذا النوع.
لوحظ في 31 أكتوبر تفاقم الوضع على طول الحدود بين سوريا وتركيا إلى شرق نهر الفرات. وجرى تبادل اطلاق النار عبر الحدود بين القوات التركية ووحدات الدفاع عن النفس الكردية، التي كانت قد توقفت تحركاتها بعد بدء الدوريات المشتركة للقوات التركية والأمريكية في منطقة منبج، الواقعة في غرب الفرات، وتنظيم الدوريات الأمريكية ـ الكردية شرق هذا النهر.
وجرى تعزيز السلطة الشرعية، في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، واُتخذت التدابير لاستعادة البنية التحتية التي جرى تدميرها خلال الأعمال القتالية، وترتيب الحياة السلمية. وعاد النازحون داخليا واللاجئون في الخارج إلى ديارهم الأم. وبلغ العدد إجمالي للعائدين إلى ديارهم منذ بداية العام حوالي 1.5 مليون شخص، منهم 250 الف سوري، كانوا قد لجأوا سابقا إلى البلدان المجاورة، وبفضل فتح معبر " نصيب" على الحدود السورية ـ الأردنية في منتصف أكتوبر الماضي، ازداد عدد العائدين من الأردن زيادة كبيرة، وبلغ حوالي 6 آلاف. ويجري من لبنان سيل اللاجئين العادين، بكثافة ثابتة.
في نفس الوقت يمكن أن تنعكس على وتائر العملية، الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها سوريا، ليس فقط بسبب الدمار واسع النطاق الذي حدث خلال النزاع المسلح، ولكن أيضا بسبب الفجوة المستمرة في العلاقات الاقتصادية بين المحافظات الغربية في البلاد ومناطقها الشرقية، حيث يتم تحت تغطية الوجود المسلح غير القانوني للولايات المتحدة، الذي يعتمد على جزء راديكالي من السياسيين الأكراد، إنشاء هياكل إدارة شبه دولة انتهاكاً لدستور سوريا وسيادتها.
ولايزال سكان سوريا يشعرون بالآثار السلبية للعقوبات المالية ـ الاقتصادية أحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وعلى وجه الخصوص تترتب حالة صعبة في مجال الصحة. وهناك مشاكل كبيرة بضمان الحصول على الرعاية الطبية المؤهلة، وهذا لا يرجع فقط إلى بطء استعادة عمل المؤسسات الطبية، ولكن كذلك إلى النقص في عدد من الأدوية، وبالدرجة لأولى لأمراض السرطان. وفي الوقت نفسه، فان توريد الأدوية على أساس تجاري صعب جدا بسبب القيود المفروضة على التحويلات المصرفية.
نود أيضا أن نشير إلى عواقب إجراءات الولايات المتحدة الأخرى، أو على نحو دقيق ـ التحالف الذي تقوده. قدمت الحكومة السورية في الأسبوع الماضي في رسائل موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي، الإحصائيات المأساوية لضحايا غارات التحالف على مدينة الرقة التي كما اُعلن ل " للتحرير من داعش" . هذه معطيات مروعة. من المستحيل تصديق هذا، خاصة في ضوء رد الفعل الهستيري الذي عبرت عنه الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى والمنظمات غير الحكومية فيما يتعلق بحقوق السوريين. ومع ذلك يجب الإعلان عن هذه المعطيات.
عند إزالة الأنقاض التي خلفتها الضربات في منطقة " الحديقة البيضاء"، وملعب " الرشيد" وحديقة الحيوانات المحلية تم العثور على جثث 4 آلاف شخص معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال. بالإضافة إلى ذلك، تم العثور، في مزرعة بالقرب من مستشفى الأطفال والمستشفى الوطني، على مقبرة جماعية تضم رفاة اكثر من 2.5 ألف شخص، أما في منطقة "بانوراما" فقد تم الكشف عن مقبرة أخرى تضم 1.5 ألف ضحية. وأشير في الرسائل إلى أنه وحتى الوقت الحالي تم في الرقة، التي سويت عمليا بالأرض، إزالة 2% فقط من الأنقاض. وجرى إصلاح إمدادات المياه جزئيا في الضواحي فقط، ولم تبدأ عملية إزالة الألغام من الأساس.
وكل هذا يتناقض مع المعلومات المقدمة في عدد من تقارير ووثائق مختلف المنظمات غير الحكومية الغربية، التي نشرتها في الآونة الأخيرة عن الوضع في الرقة. على سبيل المثال، جاءت في مادة أعدتها منظمة REACH (www.reach-initiative.org) بمناسبة مرور سنة على تحرير الرقة، بكل معنى الكلمة، صورة وردية لإعادة إعمار المدينة، التي للأسف تتناقض مع الواقع المرير الذي ينفتح أمام عيون الناس الذين يباشرون بالتحليل الموضوعي لما حدث في هذه المنطقة.
في 3 نوفمبر، وبعد تأخر وفي نهاية المطاف الحصول من الولايات المتحدة على ضمان الجيش الأمريكي، وليس من الخاضعين له من المسلحين، امن القافلة الإنسانية للأمم المتحدة المكونة من 72 من وسائط النقل، تم نقل حمولة المساعدات الإنسانية إلى مخيم " الركبان " للنازحين داخليا الواقع في منطقة أل 55 ـ كم " " الحصرية" التي أنشأها الأمريكيون على الأراضي السورية حول قاعدتهم العسكرية في منطقة "التنف". ووفر قوات عسكرية روسية وسورية امن القافلة خارج هذه المنطقة. وعلى الرغم من العطل الذي حصل في البداية، فإننا نقدر عاليا نتيجة هذه العملية المشتركة، التي جعلت من الممكن إبعاد بعض الشيء الكارثة إنسانية التي تهدد سكان هذا المعسكر البالغ عددهم 60 ألف شخص، والذين حرموا فعليا من الاتصال العادي بالعالم الخارجي. ومن الواضح أن الإجراءات التي تتم لمرة واحدة، وبأي حجم كانت، لا يمكن أن تحل مشكلة هؤلاء الأشخاص ، الذين وجدوا انفسهم في أراضي احتلتها، بالفعل، دولة أجنبية.
حول التقرير المشترك لأجهزة نظام الأمم المتحدة بشأن الفظائع الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش في العراق
لفت انتباهنا التقرير المشترك لبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة للعراق ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي نشر في 6 نوفمبر، بشأن الفظائع الجماعية التي ارتكبتها جماعة داعش في الأراضي العراقية.
وفي سياق التحقيق الذي أجرته الأمم المتحدة تيسر توثيق وجود اكثر من 200 مقبرة جماعية في الأراضي العراقية، التي كانت في الفترة من 2014 إلى 2017، واقعة تحت سيطرة الجماعة الإرهابية المذكورة. إن الحقائق المروعة المنشورة هي دليل إضافي على الفظائع التي ارتكبتها داعش ضد السكان المدنيين، والتي فسرتها الامم المتحدة بحق بأنها جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.
إننا نؤيد إجراء تحقيق شامل ونزيه في الحقائق المذكورة في التقرير ومقاضاة المسؤولين عنها. إننا نتفق مع بيان الممثل الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى العراق يان كوبيش حول الحاجة إلى تحديد دقيق لظروف مصرع المدنيين. وفي هذا الصدد فإن توصيات التقرير للمجتمع الدولي لتقديم المساعدة للسطات العراقية في قضايا إخراج الجثث ونقلها وتحديد هويات رفاة كافة القتلى، تبدو توصيات هامة.
حول الوضع في ليبيا
يبقى تحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا، القضية الأساسية في جدول الأعمال اليوم الداخلي. ويجري التقدم نحو هذا الهدف بصعوبات كبيرة. وبسبب استمرار المواجهة بين القوى الرئيسية العسكرية ـ السياسية، فان الوضع لم يستقر، بل وحتى ينطوي على مؤشرات التفاقم اللاحق.
إن بيان القادة الليبيين البارزين في مؤتمر باريس في شهر مايو من العام الحالي للعمل في بتنسيق، والتوجه نحو تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في 10 ديسمبر، مازال، وللأسف مدعوم بصورة ضعيفة بالخطوات العملية.
و" حجر العثرة" كان عجز الأطراف الليبية عن الاتفاق على إنشاء قاعدة قانونية ذات صلة، لإظهار الإرادة الوطنية العامة. وكنتيجة لذلك، فان جلسة مجلس النواب في طبرق للنظر في قوانين الإصلاحات الدستوري والانتخابات تُؤَجل بصورة دائمة بسبب انعدام النصاب.
والعائق الجدي الآخر على طريق التحضير وإجراء التصويت، هو الحالة غير المرضية للغاية، في مجال الأمن، لاسيما في العاصمة نفسها. وهكذا، وقعت في طرابلس منذ نهاية أغسطس حتى نهاية سبتمبر من العام الحالي معارك بين الجماعات المسلحة، أدت إلى مصرع اكثر من 120 شخصا، بالأساس من المدنيين، وإحداث تدمير كبير. ويبعث على القلق الشديد وجود في بعض مناطق البلاد مقاتلي داعش و" القاعدة"، التي يرفد صفوفها المتطرفون العائدون من سوريا والعراق.
وفي هذا الصدد، فإن توحيد الهياكل العسكرية الليبية وقوى الأمن، بأسرع وقت ممكن، لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة بشكل فعال، يكتسب أهمية خاصة.
إننا ننطلق من عدم وجود بديل للحوار الشامل بين الليبيين وإن " الاتفاق الليبي السياسي" الموقع في ديسمبر 2015 في مدينة الصخيرات المغربية، ومع كل ما فيه من نقائص هو الأساس القانوني الوحيد لتشكيل أجهزة سلطة مركزية قابلة على البقاء في البلاد.
نأمل بان تُبدي جميع الأطراف الليبية المسؤولة والمشاركة مباشرة في عملية المصالحة الوطنية وبناء ليبيا الجديدة، اقصى قدر من الإرادة الطيبة، ومثل هذا، القدرة المطلوبة، لإيجاد حلول مقبولة للقضايا الخلافية التي تعيق التغلب على الانقسام والتشرذم، وبالجهود المشتركة ستساعد على تكاتف المجتمع الليبي باسم الأهداف الوطنية.
وفي هذا السياق، فإن المواكبة الخارجية للعملية السياسية في هذه البلاد مدعوة ان تلعب دورا كبير بناءً مع الاحترام الصارم لسيادة ووحدة أراضي ليبيا. وها مبدئيا ان يتم تنسيق هذه المساعدة وتلائم بوضوح " خطة العمل" للأمم المتحدة بشأن ليبيا. واود ان اعقد الأمل على أن يساعد على هذا، المؤتمر الدولي المرتقب عقده في 12 و13 نوفمبر من هذا العام الذي دعت له الحكومة الإيطالية في بالميرمو. ومن المخطط مشاركة روسيا في هذا المؤتمر.