من إحاطة الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا موسكو، 16 مارس/ آذار 2023

480-16-03-2023

بمناسبة مرور 20 عاما على بدء العملية العسكرية الأمريكية في العراق

 

قامت اللجنة الخاصة للأمم المتحدة (Unscom) ثم لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش (UNMOVIC)  على مدى 12 عاما بالبحث في العراق عن أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيميائية وغيرها. وحينها أعلن  البيت الأبيض عن وجود احتياطات مخفية. ونفت بغداد كل هذا.

واتهم وزير الخارجية الأمريكي كولن باول، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في فبراير 2003، القيادة العراقية بإنتاج أسلحة دمار شامل، وكدليل على ذلك أظهر أنبوب اختبار بمسحوق أبيض زعم أنه يحتوي على ناقل لعدوى الجمرة الخبيثة، عُثر عليه في العراق.

وقامت الولايات المتحدة، بدعم من حلفائها في 20 مارس 2003، بغزو مسلح للعراق في انتهاك للقانون الدولي، بذريعة ضرورة تصفية الأسلحة المزعومة. فماذا حدث للعراق، لرئيسه الشرعي، ولشعب هذا البلد ؟ تمت إطاحة رئيس الدولة صدام حسين، وثم جرى شنقه، وتورطت البلد في نزاع عسكري ـ سياسي داخلي طويل الأمد، الذي لم تستطع التعافي منه بالكامل ليومنا هذا.

بيد أن هذا لم يكن نزاعا داخليا طبيعيا الذي من شأنه أن يحدث في أي بلد، بين أي شعب بحكم عدد من الأسباب. كلا. لقد نشب هذا النزاع، أولا: أثناء احتلال الولايات المتحدة  ودول أخرى في التحالف المناهض للعراق، للبلاد، وثانيا: أشعلته الدول الغربية بصورة مباشرة من دون أي سبب طبيعي.

وبالمحصلة، لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق. لذلك لنعود إلى النقطة  الأصلية: وكما قالوا في بغداد، لم تكن موجودة. وحاول قادة البلدان المشاركة في هذا الغزو، تبرير ممارساتهم الإجرامية،  باستنادهم  إلى معلومات غير دقيقة من أجهزة إستخباراتهم.  

أريد أن أعيد الأذهان إلى أن الدول الغربية التي كانت جزءاً من التحالف ليس لها حدود مشتركة مع العراق - لا الولايات المتحدة ،ولا بريطانيا العظمى، ولا بولندا، ولا دول أخرى كثيرة. وأعيد الأذهان ( والآن القليل مَن يتذكر ذلك)، إلى أن أوكرانيا أرسلت أيضا وحدات من قواتها المسلحة إلى العراق. وفيما يتشدق حكام كييف بدعمهم للقانون الدولي، أود أن أعيد للأذهان ما حصل للقانون الدولي، عندما داس نظام كييف على هذا القانون الدولي بإرسال جيشه (ليس الأطباء، وليس الممرضات، ولا العاملين في المجال الإنساني، ولكن العسكريين) إلى أرض العراق لمحاربة العراقيين على أرضهم؟

 

وما سأقوله الآن قد يبدو للبعض غير معقول. وكنت قد أعدت الأذهان إلى هذا أكثر من مرة، فدعوني أذكركم مرة أخرى: إن القناصة ناديجدا سافتشينكو نفسها كانت من بين أولئك الذين أرسلهم نظام كييف لمحاربة العراقيين على الأراضي العراقية. من الصعب تصديق ذلك، أليس كذلك؟ هل تذكرون كيف قام الغرب بتصعيدها إلى مرتبة النجومية الفائقة، وداعية سلام، وشخص ولد، كما قدموها، للدفاع عن حقوق الإنسان، وعن أوكرانيا، والنظام، وما إلى ذلك. إن سافتشينكو تلك، تقوم بتصويب القصف المدفعي، أنها مصوب مدفعي  حقيقي، وجرت إدانتها في بلدنا في ضوء مقتل الصحفيين الروس، وقاتلت في العراق.

وفقا لتقديرات المصادر الغربية (دعوني أؤكد المصادر الغربية بالذات) فإن عدد المدنيين الذين لقوا حتفهم بالموت العنيف نتيجة غزو العراق وما تلاه من احتلال، بلغ من 100 إلى 205 آلاف شخص، والخسائر غير المباشرة بين السكان المدنيين حوالي 650 ألف شخص. وهذه هي المعلومات التي نتلقاها من الهياكل الرسمية. وعندما تحاول العديد من المنظمات غير الحكومية إحصاء عدد الضحايا المدنيين، فإنها تسجل أعدادا أكبر. أولا، تؤكد أنه لم يجرِ إحصاء أولئك الضحايا، ولم يخطط أحد على الإطلاق لإحصائهم، وثانيا ، تقول هذه المنظمات إنها تتحدث عن رقم يزيد على مليون شخص. وأريد أن أؤكد مرة أخرى ، من المهم أن نفهم أن هؤلاء ليسوا جنودا عراقيين، وإن هؤلاء ليسوا أفرادا في القوات المسلحة النظامية أو مرتزقة أو منتسبين لأجهزة المخابرات. لا شيء من هذا القبيل. إن هؤلاء سكان مدنيون لقوا حتفهم نتيجة الحملة الأمريكية على العراق.

 وكان من نتيجة للعمليات القتالية تدمير البنية التحتية الأساسية للبلد، وتدهور نظام الخدمات الصحية بصورة كارثية، وارتفاع الجريمة. وأدى ذلك إلى نشوب أزمة اجتماعية - اقتصادية عميقة وطويلة الأمد. وبلغ عدد اللاجئين العراقيين (في سوريا والأردن) 1.5 مليون لاجئ. والمشردون داخليا: 2 مليون شخص.

في الوقت نفسه، تجاهلت واشنطن باستمرار تقارير لجنة الصليب الأحمر الدولية، والتحقيقات التي أجرتها المنظمات غير الحكومية الغربية، بما في ذلك "هيومن رايتس ووتش" بصدد سوء معاملة السجناء العراقيين، والتي أشارت إلى أن تورط الجيش الأمريكي في العراق في عمليات قتل وتعذيب واغتصاب المدنيين، ذات طابع منهجي. وحاول الأمريكيون، بكل معنى الكلمة، إسكات الجميع. وسكتوا عن الفضائح التي نشأت نتيجة تسريب المعلومات في وسائل الإعلام  عن التعذيب في سجني "أبو غريب" و "معسكر بوكا"، بما في ذلك "الملف العراقي" المنشور على موقع "ويكيليكس". لكن الحقيقة ظهرت ساطعة. وبعد سنوات، دفع الثمن جون أسانج الذي أنشأ موقع "ويكيليكس" ووضع هناك مواد ذات صلة وأصبح لاحقا ضحية للتعسف الأمريكي، بالضبط على هذا.

 كما أخفت واشنطن بوقاحة الجرائم التي ارتكبها منتسبو الشركات العسكرية الأمريكية الخاصة. وأصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر 2020، عفوا عن أربعة من منتسبي الشركة العسكرية الخاصة "بلاك ووتر" البغيضة المسؤولة عن مقتل 14 مدنياً في ساحة النسور في بغداد عام، 2007، وعلى الرغم من إدانة ذلك مجموعة عمل الأمم المتحدة المعنية باستخدام المرتزقة.

ومن النتائج المأساوية للعدوان على العراق، بالإضافة إلى التدمير الكامل للدولة، والأسس العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، كذلك كان الضرر، الذي لا يمكن إصلاحه، الذي لحق بتراثه الثقافي والتاريخي. فهل يستحق التحدث عن البيئة المحيطة، أم لا ؟ ربما لن أتحدث الآن.

بعد استيلاء القوات الأمريكية على بغداد في 9 أبريل 2003، بدأت في المدينة عمليات سرقة ونهب شاملة، بما في ذلك للمتحف الوطني وغيره من المؤسسات الثقافية في العاصمة، والتي امتدت لاحقا إلى المراكز الأثرية الكبيرة في العراق. وكيف تحدثوا بتلذذ عن كل هذا في القنوات التلفزيونية الأمريكية. وتم توثيق العديد من حالات تهريب الآثار التي قام بها العسكريون الأمريكيون.

وكما تفهمون، تم في الحال تهريب كل ما سُرق حينئذ، وهو الآن في المجموعات الغربية الخاصة. هل تعتقدون أن أي شخص في الغرب يقوم حاليا بجرد ما جرى نهبه وإخراجه من العراق؟ بالطبع كلا، وسيبقى هناك إلى الأبد، كما سيظل إلى الأبد كل ما نقله البريطانيين، على سبيل المثال، من اليونان، والغربيين الآخرين، على سبيل المثال، من مصر. ستظل تلك الآثار هناك إلى الأبد. ومهما سعت المتاحف المصرية واليونانية (وليس فقط المتاحف، ولكن أيضا أجهزة الدولة) بالمطالبة والرجاء والتوسل لاستعادة تراثها الثقافي، يكون الجواب لها واحدا: إن تلك الآثار لم تعد ملكا لكم.

أعيد الأذهان إلى أن البريطانيين سرقوا الأكروبوليس (بدا الأمر بكل معنى الكلمة، على هذا النحو، دفعوا عن شيء ما، ولم يدفعوا عن شيء ما)، بما في ذلك بجهود دبلوماسييهم، الذين، وباستخدام حصانتهم، أخرجوا من أراضي اليونان كل ما هو يملأ اليوم المتحف البريطاني الشهير.

لقد قام العسكريون الأمريكيون بتهريب الآثار التاريخية بصورة مباشرة. وأخرجوا عددا كبيرا من القطع الأثرية طوال فترة الاحتلال: بالطائرات وعلى متن الرحلات الخاصة. وبالأساس عن طريق سرقة الجنود وضباط التحالف بصورة مباشرة أثناء أداء واجبهم، وبناء على أوامر من الوكالات المتخصصة، وجامعي التحف الخاصة الأمريكيين. ويقدر عدد المعروضات المفقودة، وفقا لتقديرات إدارة المتحف الوطني فقط، ب 15 ألف وحدة. وحتى الآن، لم تتم استعادة أكثر من 6000 منها.

لكننا ندرك جيدا أن هذا فقط ما كان من الممكن تقييمه وحسابه. إن الحجم كبير للغاية، لدرجة أن ما تم تدميره ونهبه وسرقته، وعموما من حيث المبدأ لن يعاد أبدا، ولكن حتى ليس من الممكن من تحليله بأي صورة من الصور.

وعلى هذه الشاكلة لم يوفر  الأمريكيون "الازدهار" الذي وعدوا بإحلاله في العراق، وبالمقابل دمروا نمط الحياة الذي قام فيه على مدى مئات السنين، وقوضوا التوازن الهش بين مختلف الطوائف والأديان. وتحولت البلاد نفسها لسنوات طويلة، إلى بؤرة لعدم الاستقرار الإقليمي، وظهرت على أراضيها فيما بعد منظمة داعش الإرهابية سيئة الصيت، المحظورة في روسيا.