كلمة وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف وردوده على أسئلة وسائل الأعلام في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير الخارجية والهجرة في جمهورية مصر العربية بدر عبد العاطي، عقب المباحثات الثنائية. موسكو، 16 سبتمبر 2024
السيدات والسادة المحترمون،
لقد أجرينا وزميلي وزير الخارجية والهجرة بجمهورية مصر العربية بدر عبد العاطي مباحثات مفصلة ومفيدة.
وأعربنا عن الارتياح لمستوى العلاقات الودية تقليديا بين روسيا ومصر. إنها تتطور بصورة مطردة وفقاً لاتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي، التي وقعها رئيسانا في مدينة سوتشي في عام 2018 والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2021 بعد تصديق برلماني البلدين عليها.
إن الديناميكية الإيجابية للتعاون التجاري والاقتصادي ملهمة للغاية. وبلغ حجم التبادل التجاري الثنائي في نهاية عام 2023، أكثر من 7 مليارات دولار، وهو أعلى بصورة كبيرة من العام السابق. ولدينا نية مشتركة لبذل كل ما في وسعنا لضمان الحفاظ على هذا الاتجاه الإيجابي وتعزيزه
وفي هذا الصدد، نُقَيَّمُ عاليا أنشطة اللجنة الروسية المصرية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني وأكدنا دورها التنسيقي المهم في تعزيز علاقاتنا المتعددة الأوجه. وفي هذا الصباح، عقد السيد الوزير لقاء مع وزير الصناعة والتجارة أنطون عليخانوف، الرئيس المشارك الجديد للجنة الحكومية الدولي، عن الجانب الروسي
واستعرضنا سير تنفيذ المشاريع الاستثمارية الكبرى المشتركة. وفي المقام الأول محطة الضبعة للطاقة النووية وإنشاء المنطقة الصناعية الروسية في مصر (في منطقة قناة السويس). وأولينا اهتماما كبيرا لقضايا توريد منتجات الحبوب الروسية إلى السوق المصرية. وأكدنا استقرارها.
لقد اتفقنا على أن انضمام مصر إلى مجموعة بريكس في يناير من هذا العام أعطى دفعة كبيرة لتطوير شراكتنا. وناقشنا الاستعدادات لقمة مجموعة بريكس في قازان في أكتوبر من هذا العام. وعقدْ اجتماع وزاري للمجموعة في نهاية الشهر الجاري في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة.
وتحدثنا بالتفصيل عن القضايا الراهنة المطروحة على جدول الأعمال الدولية والإقليمية. ولدينا رغبة مشتركة في مواصلة التنسيق الوثيق في الأمم المتحدة وغيرها من المنصات المتعددة الأطراف
وأولينا اهتماما خاصا لمناقشة الوضع المتأزم في منطقة النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي في ضوء التصعيد غير المسبوق للعنف في قطاع غزة. إننا متحدون مع أصدقائنا المصريين في ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن وضمان تقديم المساعدة الإنسانية العاجلة لسكان القطاع.
وأشرنا إلى أهمية مواصلة العمل الجماعي، من دون أي انقطاع، لتنظيم عملية تسوية سياسية على أساس صيغة الدولتين التي أقرتها قرارات الأمم المتحدة، والتي ينبغي بموجبها أن تتعايش فلسطين وإسرائيل، معا بسلام وأمن كدولتين مستقلتين وذوي سيادة. أن هذا بالضبط ما سيضمن السلام المستدام لشعبي فلسطين وإسرائيل. ونحن نقدر عاليا الجهود التي تبذلها مصر لضمان تحقيق هذه الاتفاقيات. وأعني بالدرجة الأولى وقف إطلاق النار. ونحن بدورنا نعمل في مجلس الأمن الدولي، ولكن لحد الآن وبسبب الموقف المعروف للولايات المتحدة، لم يتيسر ضمان تنفيذ إسرائيل تلك المطالب التي يطرحها الوسطاء وأعضاء مجلس الأمن.
لقد ناقشنا الوضع في ليبيا وما يتعلق بها بالتفصيل. ونحن، مثل أصدقائنا المصريين، ملتزمون بمفهوم الحل الشامل للأزمة على أساس مبادئ السيادة الليبية ووحدتها وسلامة أراضيها. وأكدنا ضرورة تعيين ممثل خاص جديد للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا في أقرب وقت ممكن. لقد ظل هذا المنصب شاغرا لفترة طويلة.
ورحبنا برغبة الشركاء المصريين بتطوير حوار سياسي مع الجمهورية العربية السورية. وكان لموقف القاهرة البناء أهمية كبيرة في قرار استئناف عضوية دمشق الكاملة في الجامعة العربية. ونأمل أن تستمر استعادة روابط سوريا الطبيعية مع محيطها الإقليمي. لن تساعد هذه العملية في التغلب على عواقب الأزمة الطويلة الأمد في هذا البلد فحسب، بل ستخلق أيضا فرصا إضافية لتعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ككل.
وهناك مشاكل أخرى كثيرة تؤثر بشكل مباشر على مصالح مصر في المناطق المجاورة لجمهورية مصر العربية، مثل السودان والصومال والبحر الأحمر. ونحن نرى أن كل هذه القضايا لابد أن تعالج من خلال الحوار المباشر بين الأطراف المعنية بدعم من دول الجوار.
ونظرنا في عدد من القضايا العملية المتعلقة بعقد المؤتمر الوزاري الأول لمنتدى الشراكة الروسي - الأفريقي عقب قرار قمة العام الماضي التي انعقدت في يوليو 2023 في سان بطرسبرج. ومن المقرر أن تعقد جلسة منتدى الشراكة على مستوى وزراء الخارجية في سوتشي يومي 9 و10 نوفمبر من هذا العام.
لقد أعربت عن امتناني لأصدقائنا المصريين على موقفهم المتوازن والبناء بشأن الوضع في أوكرانيا وما حولها. لقد تبادلنا وجهات النظر حول كيف تناقش هذه القضية في مختلف المحافل. لقد حددت وجهة نظرنا بشأن القضايا الناشئة، بما في ذلك داخل المجتمع الدولي، ورؤيتنا للسبل للتغلب عليها على أساس مراعاة المصالح المشروعة لروسيا الاتحادية.
واتفقنا على مواصلة العمل المشترك في جميع مجالات جدول الأعمال الثنائي وفي الشؤون الدولية والإقليمية.
سؤال: ما هي الخطوات التي تنوي روسيا ومصر اتخاذها لحل المشكلة الفلسطينية؟
لافروف: لقد ذكرنا في كلمتنا الافتتاحية، الخطوات التي نتخذها. وتسعى مصر، إلى جانب عدد من الدول الأخرى، إلى إيجاد توصيات تكون مقبولة من قبل إسرائيل وحماس.
ونحن نرحب بأي خطوات تهدف إلى وقف إراقة الدماء في أسرع وقت ممكن، وضمان وقف إطلاق نار مستقر ومستدام. ونسعى لتحقيق نفس الشيء في مجلس الأمن الدولي. نحن نعمل بالتوازي مع أصدقائنا المصريين.
إن المشكلة تكمن في أن الولايات المتحدة لا تروم السماح بتمرير القرارات التي قد تعني بشكل جدي إنهاء إراقة الدماء، وهو ما يريده الجميع. فقد استخدمت حق النقض ضد العديد من القرارات التي طرحها زملاؤنا العرب، وأعضاء آخرون في مجلس الأمن، ونحن. وقبل عدة أشهر، قدمت الولايات المتحدة مشروع قرارها الخاص في شهر مايو، الذي كان "غامض" وغير محدد. ولكنها قالت إن هذا يكفي، وإن إسرائيل وافقت على هذه المقاربة، وإن كل شيء سوف يكون على ما يرام.
لقد طلبنا الأدلة. وطلبنا من زملائنا الإسرائيليين تأكيد موافقتهم على ما ورد في الوثيقة الأميركية. ورفضت إسرائيل القيام بذلك. لقد اضطررنا إلى الامتناع عن التصويت على هذا القرار. لقد طلب أصدقاؤنا العرب، بما فيهم فلسطين، منا عدم استعمال الفيتو من أجل إعطاء فرصة للوثيقة التي روج لها الأميركيون. لقد امتنعنا عن التصويت، وتم تبني القرار. وكما تم اعتماده على "ورقة بيضاء"، ظل حبرا على ورقا لحد اليوم.
ولم تفِ الولايات المتحدة باي وعود. وهذا لا يعني أن علينا وقف جهودنا. وإذا أدت الوساطة التي تقوم بها مصر بشكل فعال مع عدد من الدول العربية الأخرى إلى نتائج، فإننا سنسعد بذلك.
ولا يجوز لمجلس الأمن الدولي أن يبقي هذا الموضوع دون اهتمام، فهي المشكلة الدولية الرئيسية اليوم. بغض النظر عمن يحاول تصوير المسألة بطريقة أخرى.
ثانية. وأيضا متفقون على انه وما أن يتم وقف إطلاق النار، فمن الضروري تنظيم بصورة عاجلة عمليات إيصال الإمدادات الإنسانية. لأن الوضع الإنساني في قطاع غزة كارثي، والوضع في الضفة الغربية ليس أفضل بكثير.
إن الأمر الأكثر أهمية هو عدم السماح لهذا الصراع بالبقاء في حالة "مجمدة" مرة أخرى. ويتعين علينا إجبار كل من يعارض تنفيذ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن إقامة دولة فلسطينية. وهذه ليست مهمة سهلة، نظراً للوضع على الأرض مع وجود عدد كبير من المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية.
ليس بوسعنا التراجع عن تلك القرارات التي اتخذتها ودعمتها الأغلبية الساحقة من دول العالم. وسيتعين على أولئك الذين اعتادوا أن يقرروا كل شيء بمفردهم، عاجلاً أم آجلاً (ويفضل أن يكون عاجلاً) الاستماع إلى صوت البشرية جمعاء.
سؤال: ما رأيكم في العقوبات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة على وسائل الإعلام الروسية، بما في ذلك قناة آر تي التلفزيونية؟ ما تعليقكم على دعوة وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن للتعامل مع قناة آر تي التلفزيونية كجهاز استخبارات؟ وهذا اتهام خطير.
لافروف: لقد علق على هذه المسالة دمتري بيسكوف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي وماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، علاوة على العديد من المسؤولين والسياسيين الآخرين. لن أعود الى هذا الموضوع مرة أخرى.
لا يسعني إلا أن أضيف أن جورج أورويل كان يتمتع بخيال واسع وبصيرة تاريخية عظيمة. ومع ذلك، لم يكن حتى هو قادراً على تصور الشكل الذي قد تبدو عليه الدولة الشمولية في الواقع. لقد حدد بعض سماتها، لكنه لم يكن قادراً على الخوض في عمق الشمولية التي نشهدها اليوم في ظل "النظام القائم على القواعد". ليس لدي ما أضيفه إلى ذلك. إن القادة في واشنطن يقمعون المعارضة ويتفوقون حتى على أورويل ورؤيته. هذه شمولية خالصة. أما المكارثية فكانت مجرد لعبة أطفال بالمقارنة.
يحدوني الأمل بأن يكون كل هذا واضحا للمراقبين المستقلين الذين يراقبون بعناية ما يحدث في العالم وكيف تقوم الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع أقمارها الصناعية، بكل ما هو ممكن ومستحيل ولا يمكن تصوره بهدف وقف العملية الموضوعية لتشكيل نظام عامي متعددة الأقطاب وعادل وديمقراطي. إنهم يحتاجون إلى الديمقراطية فقط لإعطاء الأوامر لمختلف البلدان حول كيفية "تنظيم" الحياة. وبمجرد تدعوهم لمناقشة إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، فانهم يلتزمون الصمت. "نظام قائم على أساس القواعد." لكن كل هذا محكوم عليه بالفشل. وهذا واضح لأي شخص. إنهم محكومين بالفشل تاريخيا. إن مسار التاريخ يتسارع.
سؤال: ما الذي تشير إليه رغبة تركيا (الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي) في الانضمام إلى بريكس؟ وما هو تأثير انضمامها المحتمل؟
لافروف: من الصعب عليّ أن أشرح نيابة عن الأتراك سبب تقدمهم بطلب الانضمام إلى مجموعتنا. لكن ربما من المنسب الإدلاء لبعض التعليقات هنا.
أولا، تجري عملية موضوعية وتاريخية لا يمكن إيقافها لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب. وثانياً، من الواضح أن مجموعة بريكس، مع مكانتها العالمية المتنامية بسرعة وسمعتها، أصبحت واحدة من المحركات الرئيسية وبُناة النظام العالمي المتعدد الأقطاب. لقد تلقت مجموعة بريكس أكثر من 30 طلباً لإقامة علاقات أو الانضمام لها كعضو. وهذه كلها دول معروفة تلعب أدواراً مهمة في مناطقها. ربما لا يروم القادة الذين يفكرون في مستقبل بلدانهم في ظل النظام العالمي المتعدد الأقطاب الناشئ، التخلف عن الركب.
من الأهمية بمكان أيضاً أنه يجري في إطار مجموعة بريكس تطوير آليات خاصة لتعزيز دور دول المجموعة وشركائها في معالجة قضايا الحوكمة العالمية، بما في ذلك إصلاح مؤسسات بريتون - وودز، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وحيث تقوم الولايات المتحدة وحلفائها بشكل مصطنع عرقلة اكتساب دول مجموعة بريكس وشركائها من ذوي التفكير المماثل في هذه المؤسسات، والذي يعكس ثقلها الاقتصادي الفعلي، العدد اللازم من الأصوات.
والوضع مماثل في منظمة التجارة العالمية. وجرى بصورة مصطنعة عرقلة إصلاحها، الذي من شأنه أن يسمح بتقييم المؤشرات الاقتصادية الحقيقية والقدرات التجارية لكل دولة على أساس مزاياها.
ودون شك في ظل هذه الخلفية تجذب الكثيرين منصات الدفع البديلة التي يجري تطويرها داخل مجموعة بريكس التي تسمح للدول بالتجارة والاستثمار وإجراء معاملات اقتصادية أخرى دون الاعتماد على أولئك الذين قرروا جعل الدولار الأميركي واليورو بمثابة " سلاح". ولا أحد يريد أن ينتهي به الأمر إلى هذا الوضع. فالجميع يدركون أن أي كان يمكن أن يخضع للعقوبات الأميركية أو العقوبات الغربية الأخرى.
تجري عملية "انهيار" للهياكل التي تم إنشاؤها ذات يوم في إطار العولمة الغربية، عندما أقنعوا الجميع بأن القيم الأبدية هي المنافسة العادلة، وحرمة الملكية، وعمل آليات السوق الحرة، وأن الدولار تراث عالمي للبشرية.
والآن يفهم الجميع أن الأمور تماما ليست على هذا النحو. إن روافع وآليات العولمة هذه، التي روجت لها الدول الغربية في المقام الأول، هي التي تستخدم في السياسة غير القانونية المتمثلة في قمع المنافسين بأي وسيلة في محاولة لإدامة هيمنتهم، التي تتلاشى أمام أعين العالم بأسره.
و أننا إذا نظرنا بموضوعية إلى مواقف الدول التي توجهت إلى بريكس، وإذا تحدثنا بتقييمات عامة، فإن كل هذا يغدو له أهمية لهذه الدول لتحديد نهجها المستقبلي.