شهدت واشنطن قبل 30 عامًا أي بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 1993، توقيع إعلان المبادئ بشأن ترتيبات الحكم الذاتي المؤقت من قبل ممثلي رفيعي المستوى عن منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وهذا الاعلان حصل على الاسم غير الرسمي - اتفاق أوسلو، ذلك لأن هذا العمل جرى خلف أبواب مغلقة في العاصمة النرويجية.
في ذلك الوقت كانت بلدان الشرق الأوسط بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام ينظرون إلى اتفاقات أوسلو على أنها مرحلة تحضيرية نحو حل القضايا الرئيسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مثل قضايا الأمن والحدود والقدس واللاجئين الفلسطينيين. وكان الهدف هو تحقيق تسوية فلسطينية إسرائيلية مستدامة.
وبالفعل فقد أدى التنفيذ العملي لبعض أحكام اتفاق أوسلو في المرحلة الأولى إلى تحقيق بعض النتائج. إذ تم خلال المفاوضات، اتخاذ قرارات بشأن عمل السلطة الوطنية الفلسطينية، وتم الاتفاق على الإجراءات الأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتم تحديد معالم الحوار المستقبلي.
ومع ذلك، فإننا مضطرون إلى الاعتراف أن العملية السياسية في إطار أوسلو توقفت لاحقاً بسبب عوامل مختلفة. وهنا لابد أن نذكر بأن العقود الثلاثة الماضية اتسمت بمحاولات فاشلة للوساطة الأمريكية المتفردة، وكان آخرها في عام 2014، مما أدى إلى إغراق عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية في كساد عميق، وهذا بدوره دفع إلى اندلاع اشتباكات مسلحة دامية متكررة بين الجانبين. بالإضافة إلى ذلك، تعقد الوضع بسبب سلسلة من التدخلات العسكرية المزعزعة للاستقرار من قبل واشنطن لتغيير "الأنظمة غير المرغوب فيها" في عدد من الدول العربية.
اليوم، من المهم للغاية أن نتعلم من دروس اتفاقات أوسلو، ومن الضروري إجراء مثل هذا التحليل لبناء هيكلية متينة للتسوية في الشرق الأوسط واستئناف مفاوضات السلام حول مجموعة كاملة من قضايا الوضع النهائي.
إن الوضع الراهن، الذي أصبح من الواضح غير قابل للاستمرار على الإطلاق، يؤدي إلى نشوء اشتباكات مسلحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. في تأكيد على حقيقة أن "احتكار" الولايات المتحدة لمهام الوساطة لابد وأن يفسح المجال أمام الوساطة الجماعية المحايدة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الأطراف الرئيسية أن تنبذ الإجراءات أحادية الجانب، وخاصة فيما يتعلق ببناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتنفيذ الهجمات الإرهابية والتحريض على العنف. وهنا لابد من التركيز على حقيقة أنه لا يمكن حل الخلافات بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلا من خلال الحوار المباشر والشامل.
تجدر الاشارة إلى إن النهج الانتقائي عند مناقشة المشاكل، ولا سيما التركيز فقط على المجالات الاقتصادية أو الأمنية دون فتح "أفق" سياسي لحل النزاع، لا يمكن إلا أن يؤدي إلى تفاقم الوضع. كما أنه يتعين على الفلسطينيين أن يتحملوا المسؤولية الكاملة بشأن استعادة الوحدة الوطنية وفق البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. وفي هذا السياق، فإن توحيد مواقف اللاعبين الخارجيين المشاركين في عملية التسوية أمر في بالغ الأهمية.
إن الدبلوماسية الروسية مستعدة للتعاون مع كافة الأطراف على أساس المبادئ المذكورة أعلاه. وتؤكد موسكو مجدداً التزامها بمعايير التسوية المعترف بها دولياً، والحديث يدور حول قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة و"مبادئ مدريد" التي أقرتها، بما في ذلك "الأرض مقابل السلام" ومبادرة السلام العربية وصيغة "الدولتين" – فلسطين ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وإسرائيل على أساس الحفاظ على الأمن والتعايش السلمي.
ونحن نؤيد تكثيف الخطوات الجماعية الرامية إلى تهيئة الظروف اللازمة لاستئناف عملية السلام. وهنا لابد من الاشارة إلى الدور الرئيسي الذي يؤديه اللاعبون الإقليميون - مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والجزائر وتركيا وجامعة الدول العربية. وبالتالي نحن نؤكد على حقيقة أنه حان الوقت لتوحيد الجهود، في تنويه إلى إن المبادرة الروسية تهدف إلى تطوير مقاربات موحدة تجاه التسوية في الشرق الأوسط، وهو ما كان محور اجتماع وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف يوم 18 تموز/يوليو في موسكو مع رؤساء البعثات الدبلوماسية للدول العربية وتركيا والجامعة العربية.
نعتزم مواصلة العمل بشكل وثيق من أجل تحقيق التسوية الفلسطينية الإسرائيلية وحل النزاعات الأخرى في المنطقة، والحفاظ على تواصل وثيق مع شركائنا في الشرق الأوسط، بما في ذلك مع فلسطين وإسرائيل، اعتماداً على ما تم تحقيقه من رصيد هام في العلاقات مثل جسور الثقة التي تم بناؤها في منطقة الشرق الأوسط حيال السياسة الخارجية الروسية.