حول تفاقم الوضع في سوريا
شن مسلحو التنظيم الإرهابي الدولي "هيئة تحرير الشام" العامل في منطقة خفض التصعيد في إدلب، بمشاركة جماعات مسلحة أخرى (بما في ذلك التابعة للجيش الوطني السوري) في 27 نوفمبر من هذا العام، هجوما واسع النطاق في شمال غرب سوريا. ووفقًا للتقارير، فقد تمكن المسلحون فعليا من السيطرة على حلب - ثاني أكبر مدينة في منطقة خفض التصعيد، بالإضافة إلى عدد من المناطق السكنية في محافظتي إدلب وحماة. واللافت أن الهجوم جرى في نفس اليوم الذي دخل فيه اتفاق وقف الأعمال القتالية بين إسرائيل وحزب الله اللبناني حيز التنفيذ.
إننا نشجب بحزم هذا الهجوم الذي يسير في طليعته إرهابيون اعترف بهم مجلس الأمن الدولي على هذا النحو. ونلفت الأنظار إلى وجود الكثير من المقاتلين الأجانب بينهم، بما في ذلك مقاتلون من محيط الاتحاد السوفيتي السابق. ومع الأخذ بعين الاعتبار المعلومات الواردة عن التعاون بين أجهزة المخابرات التابعة لنظام كييف ومقاتلي "هيئة تحرير الشام"، بما في ذلك تسليم الطائرات بدون طيار ونقل الخبرة في استخدامها فمن الواضح أن هناك أيضًا "أثرًا أوكرانيًا". وهذه ليست المنطقة الأولى أو الأخيرة التي يطبق فيها النظام الإرهابي في كييف خبرته الإجرامية. فقبل ذلك، كانت الدول الأفريقية. والآن نتحدث عن سوريا.
إن ممارسات الجماعات الإرهابية التي اعتادت أن تعيث فسادا ودمارا، فاقمت الوضع المتوتر أصلا في الجمهورية العربية السورية. ومما لا شك فيه أنها ما كانت لتجرؤ على القيام بمثل هذا العمل الوقح لولا تحريض ودعم تام من قبل قوى خارجية تسعى إلى إثارة دورة جديدة من المواجهة المسلحة ودوامة العنف في سوريا. ومن الواضح أن المتطرفين يهدفون إلى تقويض الجهود المبذولة على مدى سنوات طويلة الرامية لتحقيق تطبيع مستدام في هذا البلد، وكذلك تشكيل تهديد خطير لأمن المدنيين المقيمين في منطقة القتال، الذين ينوي الإرهابيون استخدامهم كدروع بشرية وفقاً لتكتيكاتهم التي أتقنوها.
وتؤدي جرائم المسلحين إلى تدهور حاد في الوضع الإنساني الصعب أصلاً في الجمهورية العربية السورية وإلى موجة جديدة من اللاجئين والنازحين داخلياً. علما إن سوريا آوت مؤخراً نحو نصف مليون نازح من لبنان المجاور الذين فروا للخلاص من الحرب.
ونعرب عن تضامننا مع قيادة سوريا وشعبها في هذا الوضع الصعب. ونؤكد من جديد التزامنا بسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدتها وسلامة أراضيها. وندعم بقوة الجهود التي تبذلها السلطات السورية لمواجهة الجماعات الإرهابية واستعادة النظام الدستوري.
ونعمل بنشاط مع الشركاء الدوليين لضمان استقرار الوضع في سوريا في أقرب وقت ممكن، وفي المقام الأول عن طريق تسخير إمكانات "صيغة أستانا". إن وزراء خارجية الدول الضامنة الثلاث - روسيا وإيران وتركيا - على اتصال وثيق.
ونأمل أن كافة الدول التي لها تأثير على الوضع "على الأرض" في الجمهورية العربية السورية، ستستخدمه لصالح استعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد في أقرب وقت ممكن. إن تعزيز مواقع الإرهابيين في سوريا سيخلق تهديدات أمنية إضافية خطيرة ليس فقط لمحيطها الإقليمي، بل للشرق الأوسط بأسره.
كما نذكّر بأن توصيات وزارة الخارجية الروسية لمواطنينا بالامتناع عن السفر إلى سوريا فيما يتعلق بالوضع العسكري والسياسي المعقد في ذلك البلد لا تزال سارية المفعول.
من الأجوبة على الأسئلة.
سؤال: قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يوم الاثنين إن على السلطات السورية إيجاد حل وسط مع المعارضة. وعرض وساطته في المفاوضات، وأضاف أيضاً أنه سيكون من الخطأ تفسير التطورات الأخيرة في سوريا بالتدخل الأجنبي. لقد أجبتم بالفعل على جزء من السؤال. هل بوسعكم أن توضحوا كيف ترى روسيا بالضبط التدخل الأجنبي في الوضع في سوريا، ومن الذي يتدخل بالذات؟
جواب: في الواقع، لم يكن ليحدث أي شيء من هذا من دون التدخل الأجنبي، فعلى مدى سنوات طويلة، سواء على المستوى الحالي (في الوقت الحاضر) أو مع الأخذ بعين الاعتبار ما كان يقوم به الأمريكيون والبريطانيون هناك لسنوات طويلة بأشكال مختلفة. فالأمر واضح. ومن المستحيل عدم رؤية العلاقة.
لن أجيب على سؤالكم بالتفصيل بشأن العناصر الملموسة لهذا الوضع. أود أن ألفت الأنظار إلى المقابلة التي أجراها وزير خارجية روسيا الاتحادية، سيرغي لافروف، مع شخصية اجتماعية أمريكية. جرت المقابلة بالأمس. انتظروها يومًا أو يومين وستُنشر. لقد تحدث سيرغي لافروف بالتفصيل عن هذه المسألة. وستُعطى كافة التقييمات.
النقطة الثانية. كما سبق أن قلت، فإن بلدنا الآن على اتصال (هناك مواد صحفية على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الروسية وعلى موقع الكرملين) مع شركائنا، مع الدول الضامنة. وهي تتضمن تقييمات ذات صلة. ومن المخطط أجراء أيضا عدد من الاتصالات. وبناءً على ذلك، سنشاطركم التقييمات بمجرد إجراء تلك الاتصالات.
سؤال: بالعودة إلى كلام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن على السلطات السورية إيجاد تسوية مع المعارضة. هل تعتقدون أنه ينبغي على السلطات أن تبدأ حواراً مع المعارضة وإيجاد هذا الحل الوسط؟
الجواب: سأترك الأمر لأهل الخبرة والقيادة للتحدث في هذا الأمر. أذكركم مرة أخرى بالمقابلة التي ستنشر قريباً.
أتذكر موقف القيادة التركية الثابت منذ سنوات طويلة، والذي تم التعبير عنه على أرفع المستويات وعلى مستوى وزراء الخارجية، بأنه من المستحيل إيجاد أي تسوية مع الإرهابيين. أتذكر التحركات الحاسمة التي قامت بها تركيا في هذا الاتجاه (أعتقد أننا جميعًا نتذكرها) للحفاظ على الاستقرار والدفاع عن السيادة والمبادئ والمعايير التي يعيش بها المجتمع والدولة على أساس قانونها. لقد كان هناك حزم ثابت في هذه الحرب ضد الإرهاب، جرى عرضه بوضوح للمجتمع الدولي كأحد مميزات السياسة التركية.
وإذا كنا نتحدث عن التسويات مع الإرهابيين، فإن الغالبية العظمى من الدول ترى أن من المستحيل إجراء مثل هذا الحوار. لن نخوض في هذا الموضوع. فأنتم على دراية تامة بمثل هذه المقاربات.
أما ما يتعلق بالحوار مع المعارضة. أظهرت دمشق الرسمية من ناحيتها في غضون سنوات طويلة، استعدادها وعقدت عدداً كبيراً من الفعاليات. وقد جرت عدد منها في بلدنا. وجاء ممثلو السلطات الرسمية والعديد من أحزاب المعارضة. تحدثوا وعقدوا مؤتمرات ووقعوا أو تبنوا بيانات. وقد أبدت دمشق الرسمية استعدادها للحوار مع المعارضة. من الضروري الفصل بين المعارضة والإرهابيين. فهما شيئان مختلفان. لقد سمعنا على مدى سنوات مفهوم إرهابيين "معتدلين". وهم ليسوا كذلك. فإذا كانوا "معتدلين" فهم ليسوا إرهابيين. ينبغي تصنيف الأشخاص الذين يستخدمون أساليب إرهابية ومتطرفة، بصورة مناسبة.
سؤال: تم في 27 نوفمبر التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان. ومنذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، انتهك الجيش الإسرائيلي الاتفاق باستئناف هجماته على لبنان. في هذا الصدد، ما هو تقييم وزارة الخارجية لممارسات إسرائيل؟
جواب: لقد سبق أن قدمنا تقييماً مفصلاً لاتفاق وقف الأعمال القتالية بين إسرائيل ولبنان في بيان صحفي نشر في 27 نوفمبر من هذا العام.
والوضع الآن يتغير بالفعل بشكل ديناميكي من جانب إلى آخر. ونعتقد أنه سيكون من غير المناسب التعليق على تنفيذ الاتفاقات المذكورة أعلاه في هذه المرحلة. وإذا ظهرت مبررات لذلك، فسنفعل ذلك بالتأكيد.
هناك جانب دقيق مهم. لقد أعربنا عن أملنا في أن هذه الاتفاقات ستكون سارية المفعول. وكما تعلمون، فإن نفس التقييم ورد في تصريحات وتعليقات عدد كبير من المحللين السياسيين والمسؤولين الذين فهموا أن إبرام الاتفاقات شيء وتنفيذها على أرض الواقع شيء آخر. ومن الضروري السعي لتحقيق ذلك. ورحب الجميع بتوقيع هذا الاتفاق باعتباره اتجاهاً للتحرك، لكنهم في نفس الوقت أدركوا إن الأمر لن يكون سهلاً. وقد تضمن تعليقنا قبل أسبوع هذه التقييمات.
وبناءً على ذلك، سننطلق من نفس التقييمات الخاصة بـ "مباركة" مثل هذا الاتفاق والأمل في أن يجري تنفيذه. وإذا تطلب الأمر مزيداً من التعليقات، فسنقدمها بالتأكيد.
سؤال: ما هو موقف روسيا من الأحداث والتطورات في سوريا؟ ما هي برأيكم الدول التي "تقف وراء" أولئك الذين يهاجمون القوات الحكومية السورية؟ كيف تدعم هذه الدول المسلحين المعنيين؟
الجواب: كما فهمت، لديكم سؤال حول مع من نتعاون للتغلب على الوضع الذي يتكشف في حلب؟ بالطبع، أولاً، نحن على اتصال وثيق مع دمشق الرسمية، وبالتعاون الوثيق مع السلطات السورية. ثانياً، لن أفصح عن طبيعة هذه الاتصالات، لكن يمكنني أن أؤكدها. على الصعيد الدبلوماسي، نحن نعمل مع الدول الضامنة، كما سبق أن ذكرت اليوم. وتجري اتصالات هاتفية، ويُخَطَط لمواصلة إجراءها. وسنبلغكم بها بالتأكيد.
لقد أجبت على الجزء الثاني من سؤالك اليوم. أود منكم أن تنتظروا تقييمات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التي عرضها في مقابلته مع تاكر كارلسون. وستُنشر في غضون يوم ونصف اليوم. لقد قدم سيرغي لافروف رؤيته هناك عن الوضع.
من الواضح أن سوريا أصبحت ذلك الحقل الذي أجرى فيه "الغرب الجماعي" (ممثلاً بالدرجة الأولى بالولايات المتحدة) "تجاربه". لقد تحدثنا عنها حرفياً كل يوم وطوال سنوات. لقد أنشأت واشنطن ولندن ودول أخرى منخرطة في أيديولوجية الناتو التدميرية، كيان إرهابي "أممي" مكتمل هناك ووزعت عليه الأسلحة والأموال. لأي غرض؟ أولاً (كما أُعلن منذ أكثر من 10 سنوات) للإطاحة بالسلطات الشرعية في سوريا. ثم، عندما فشل ذلك، جرى القيام بمحاولات لا نهاية لها لإضعاف سوريا وإلحاق الهزيمة بها. وأعقب ذلك نهب وسرقة واستنزاف الموارد بصورة سافرة. لقد قدمنا حرفياً تقييمات مفصلة حول هذا الأمر كل أسبوع على مدى سنوات. ومن الواضح أن تورط اللاعبين الأجانب كبير جداً. لقد تحدثت عن جانب واحد منها. أما بالنسبة للباقي، فأدعوكم لمشاهدة المقابلة مع سيرغي لافروف.
سؤال: إن غالبية سكان شمال شرق سوريا هم من الأكراد. أصبح الصراع بين "الجيش الوطني السوري" وقوات سوريا الديمقراطية أكثر تعقيدًا في الأسابيع الأخيرة. ما رأيكم في هذا الأمر وكيف ستحاولون التخفيف من حدة هذا الصراع وعدم السماح بانتقال الأزمة في مناطق أخرى من سوريا إلى خارجها؟ فقد يصل النزاع في نهاية المطاف إلى العراق أيضاً.
جواب: كيف يمكن تطبيع العلاقات بين السكان الأكراد في مناطق سوريا؟ يبدو لي ينبغي إجراء حوارا مع دمشق الرسمية التي لم ترفض أبداً ذلك. ولكن في الوقت نفسه، من الضروري الفصل بين الحوار مع السكان، العازمون على العمل البناء، وبين مظاهر التطرف والإرهاب.
سؤال: ما هو تعليقكم على الوضع في الجمهورية العربية السورية، حيث يشن المتمردون هجوماً بمساعدة الغرب وتركيا؟ وكيف هي الأمور الآن؟ ترابط هناك قواعد روسية. ربما ينبغي على روسيا أن تأخذ بعين الاعتبار بعض الأخطاء في هذا الوضع، وتقيم شكل من أشكال الحماية على سوريا؟
الجواب: في رأيي أنكم تتحدثون بشيء من البساطة عن الأخطاء والخدع أو أي فروق دقيقة أخرى في الوضع، كما لو كان الأمر نوعاً من الروتين اليومي.
إن مكافحة الإرهاب الدولي هو عمل صعب للغاية تكفلت بلادنا القيام به، بكل معنى الكلمة، ليس في إطار "حماية" سورية، بل في إطار مساعدة الشعب السوري بناء على طلب قيادة هذا البلد. في هذا التاريخ الطويل، هناك انتصارات ومشاكل. ولا يمكن أن يكون هناك غيرها. وهذا ليس تحدي يوم واحد، وليست مشكلة شهر واحد. لقد خلقتها الدول الغربية على مدى سنوات طويلة، وللأسف بالاعتماد على قوى معينة في المنطقة، لتشكيل كيان إرهابي أممي، لغرض أن تقوم بإدارته في الاتجاهات المناسبة، التي تكون نافعة لها.
وما هو المفيد والنافع للغرب؟ الأول هو الفوضى. والثاني هو استنزاف الموارد. والثالث هو نشر المقاتلين المسلحين والإرهابيين والمتطرفين الذين يمكن أن يكونوا هناك لتنفيذ مختلف المهام القذرة وغير القانونية الواضحة. إنهم يقومون بذلك على مدى سنوات طويلة. لا يمكن أن تختفي هذه المشكلة بين عشية وضحاها. إنها، كما قلتَم عن حق، صعبة للغاية، ونحن نتعامل معها.
لقد حدثت أشياء مختلفة خلال هذه السنين. هل لي أن أذكركم من أين بدأت التطورات في سوريا؟ لقد بدأت هناك بتهديدات مباشرة لبلدنا. وهذه التهديدات لم تكن تهديدات كلامية على الإطلاق، حيث قالوا إننا إذا حاولنا الحفاظ على النظام الدستوري في سوريا ومنع انهيار الدولة السورية، فإننا سنندم كثيراً، وإننا لن ننجح في ذلك. هذا ما قيل لنا. لقد كانت هناك حالات مختلفة وتعاملنا معها بمختلف الطرق.
نحن نعلم أن الهدف مشروع ونبيل تمامًا - مساعدة دولة مستقلة ذات سيادة تعاني من الإرهاب الدولي. وكما قال رئيس روسيا، فلاديمير بوتين، مرارًا نحن نقوم في تحقيق هذا الهدف.