12:00:00

بصدد المفهوم الروسي لضمان الأمن الجماعي في منطقة الخليج

بصدد المفهوم الروسي لضمان الأمن الجماعي في منطقة الخليج

 

يُلاحظ في منطقة الخليج ذات الأهمية الأستراتيجية للعالم بأسره، اتجاهات مثيرة للقلق الشديدة. نحن نتحدث عن تفاقم حاد للخلافات بين بعض البلدان، وعدم استعدادها لمراعاة مصالح وشواغل بعضها البعض الآخر، ونتيجة لذلك، تنامي ملموس في امكانية نشوب نزاع في المنطقة. ويتعين الإقرار بوجود تهديد حقيقي في زيادة تصعيد الوضع لاحقا، وحتى اندلاع مواجهة مسلحة واسعة النطاق.

وإننا ننطلق من عدم القبول بمثل هذا التطور للأحداث. وفي ضوء ذلك، نعتقد أن المرحلة تتطلب العمل الجماعي لإيجاد حلول وسطية، بتوافق الآراء، تهدف إلى تخفيف حدة التوتر، وحل جميع الأزمات الحادة بالطرق السياسية والدبلوماسية، على أساس القانون الدولي.

أن روسيا ترتبط تقليديا بعلاقات ودية مع جميع دول منطقة الخليج من دون استثناء، وتبني التعاون معها على أساس المساواة والاحترام المتبادل. ونحن مقتنعون بأن تشكيل هيكل شامل للسلام والأمن، يمكن أن يصبح ضماناً لمستقبل كريم وآمن لجميع دول وشعوب المنطقة ، التي تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أجندة إيجابية.

لقد بدأت روسيا ومنذ أواخر التسعينيات، في ظل أوضاع جيوسياسية مختلفة تماما، في تطوير مفهوم ضمان الأمن الجماعي في منطقة الخليج. وتم تحديث الأفكار المعروضة في الوثيقة مرات عديدة، واكتسبت في ظل الظروف الراهنة طابعا ملحا. ويقضي المفهوم بالتحرك على مراحل، على أساس التعاون المتكافئ بين جميع الأطراف الإقليمية وغيرها من الأطراف المعنية، نحو حل النزاعات، وتطوير تدابير بناء الثقة والرقابة، وفي نهاية المطاف، تكوين آلية متكاملة للأمن الجماعي والتعاون في هذه المنطقة دون الإقليمية، وإنشاء الهياكل التنظيمية المناسبة. وهذا يعني أن مثل هذا النظام سيصبح مقدمة لبناء هيكل مشترك بعد مرحلة انتهاء الأزمة في منطقة الشرق الأوسط.

نحن ننطلق من أن المقترحات الروسية ليست ذات طابع نهائي، وتعتبر بمثابة دعوة إلى حوار بناء يناقش سبل تحقيق الاستقرار الطويل الأجل في منطقة الخليج. ونحن على استعداد لإجراء اتصالات وثيقة مع جميع الأطراف المعنية، سواء من خلال القنوات الرسمية، أو من خلال الدوائر الاجتماعية والسياسية والخبراء.

 

المفهوم الروسي للأمن الجماعي في منطقة الخليج

إن ضمان الأمن، وخلق جو من الثقة في منطقة الخليج، تعتبر إحدى أولويات السياسة الخارجية الروسية، وهي ملحة في جدول الأعمال العالمي الحالي. مع الأخذ في الاعتبار الاحتياطيات الضخمة من الموارد الهيدروكربونية المركزة في هذه المنطقة دون الإقليمية، وموقعها الاستراتيجي والممرات المائية الرابطة، فإن العمليات الجارية هناك لها تأثير على حالة العلاقات الدولية، وكذلك على الاستقرار الاقتصادي العالمي والطاقة والنقل. ومن هنا تأتي الحاجة إلى بذل جهود جماعية مناسبة على الصعيدين الدولي والإقليمي، تساعد على تعزيز السلام الحقيقي وحسن الجوار والتنمية المستدامة في منطقة الخليج.

أن إنشاء نظام دون إقليمي للأمن الجماعي، يتفق مع بلوغ هذا الهدف. نحن نتحدث عن اعتماد برنامج طويل الأجل من الإجراءات المشتركة لتعزيز الاستقرار والأمن، بما في ذلك تدابير بناء الثقة، وإنشاء آليات لحل الخصومات وتسوية النزاعات، وتحديد الأغراض والمعايير الرئيسية للهيكل المستقبلي للتعاون بين الدول.

وفي الوقت الذي تم فيه تطوير المقترحات التي وضعت في أواخر اعوام 1990 والإضافات في 2004 و 2007 و 2019، يستند المفهوم الروسي المُحَدث لضمان الأمن في منطقة الخليج على المبادئ التالية.

  1. التزام جميع الدول بالقانون الدولي، والأحكام الأساسية لميثاق منظمة الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن الدولي. وهدفنا المشترك: شرق اوسط مزدهر يدعم السلام والتعايش بين الأديان والأعراق.إقامة نظام الأمن في منطقة الخليج، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الجهود الشاملة لضمان الاستقرار في الشرق الأوسط ككل. وتتمثل الأحكام الرئيسية في احترام استقلال الدول وسيادتها ووحدة اراضيها، وتنوع انماطها الاجتماعية-السياسية، وحل المشاكل السياسية الداخلية دون تدخل خارجي غير قانوني وفي إطار المجال القانوني، ومن خلال حوار وطني شامل، كشرط أساسي هام للحفاظ على الاستقرار الداخلي والوفاق بين الأديان.
  2.  التعددية كوسيلة لضمان مشاركة جميع الأطراف المعنية في التقييم المشترك للوضع واتخاذ القرارت وتنفيذها. إن استبعاد أي طرف من هذه العملية لسبب أو لآخر يأتي بنتائج عكسية.
  3. الطبيعة الشاملة لنظام الأمن في منطقة الخليج العربي. ويقع في اساس الهيكل متعدد الأطراف المناسب، مبدأ الأمن المشترك وغير القابل للتجزئة، واحترام مصالح اللاعبين الإقليميين وغير الإقليميين، بما في ذلك المكونات العسكرية والاقتصادية والطاقة والنقل والبيئة.

4. التقدم على مراحل نحو إقامة نظام أمني شامل في منطقة الخليج،  بدءاُ من حل المشكلات الأكثر حدة وإلحاحاً التي تواجه هذه المنطقة دون الإقليمية. وهذا يتعلق بضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز، والالتزام بعدم انتشار السلاح النووي، وكذلك على النضال المشترك ضد التحديات الحادة في عصرنا، وقبل كل شيء الإرهاب الدولي.

5 - كما يتعلق مبدأ التقدم على مراحل باعتماد دول منطقة الخليج تدابير بناء الثقة وتوفير ضمانات أمنية متبادلة في المنطقة دون الإقليمية.

 ربما يتوجب في بدء التطبيق العملي، لتشكيل نظام أمني في منطقة الخليج، إجراء مشاورات على أساس ثنائي ومتعدد، بين الأطراف المعنية بمشاركة الدول الإقليمية وغير الإقليمية: الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ودول مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي. ويقتضي في هذه الاتصالات تشكيل مجموعة مبادرات لتطوير تدابير في مجال الأمن الإقليمي. أن هذه المجموعة مدعوة لتنسيق المعايير الجغرافية لنظام الأمن المستقبلي، ودائرة المشاركين في المناقشة، وجدول الأعمال والقضايا الأخرى.

تقترح روسيا على الدول الواقعة في هذه المنطقة دون الإقليمة والأطراف غير الإقليمية، بمثابة خطوات ممكنة لتنفيذ مبادئ هذا المفهوم :

• تأكيد الأطراف نزعة التنفيذ النزيه للالتزمات القانونية الدولية التي اخذتها على عاتقها، أولاً وقبل كل شيء، نبذ استخدام القوة والتهديد باستخدام القوة لحل القضايا الخلافية، بما في ذلك الخلافات حول الاراضي والحدود، ومنع الحوادث المسلحة، وحالات الطوارئ باستخدام القوة العسكرية في الأراضي المتاخمة، وفي البحر وفي المجال الجوي، واحترام سيادة دول المنطقة دون الإقليمية ووحدة اراضيها؛

• تطوير وتنفيذ مجموعة من تدابير بناء الثقة الجماعية في المجال العسكري من أجل ضمان الشفافية وإمكانية التنبؤ طويلة المدى للأنشطة في هذا المجال (الحوار حول العقائد العسكرية، والاجتماعات لوزراء دفاع دول المنطقة دون الإقليمية، وإنشاء "خطوط اتصال  ساخنة"، وتبادل الإخطارات الأولية بشأن التدريبات العسكرية والطيران العسكري، وتبادل المراقبين، وتبادل المعلومات حول شحنات الأسلحة وحالة قواتهم المسلحة)؛

• إبرام اتفاقيات بشأن الرقابة على التسلح، بما في ذلك، على سبيل المثال، إنشاء مناطق منزوعة السلاح، ومنع تحشيد القوات المسلحة التقليدية المزعزع للاستقرار، والتخفيض المتوازن للقوات المسلحة من قبل جميع الأطراف؛

• في سياق مهام تعزيز نظام عدم انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط على أساس معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، اتخاذ خطوات تهدف إلى تحويل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأسرها إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها؛

  • تعزيز التعاون متعدد الأطراف في المجالات الاقتصادية والإنسانية والبيئية وغيرها؛

• السعي لتحفيز التنمية المتكاملة للطاقة الإقليمية والبنية التحتية للنقل وأنظمة الاتصالات.

• إقامة تعاون جماعي لصالح حماية البيئة، ومنع الكوارث الطبيعية والتكنلوجية والقضاء عليها ؛

• العمل على خلق بيئة إنسانية موحدة وإنشاء مراكز إقليمية للمساعدة في حل المهام المشتركة في مجالات السياحة والطب (مكافحة عواقب وباء كوفيد -19 ومنع التهديدات الجديدة في مجال الرعاية الصحية) والثقافة والتعليم (بما في ذلك مراكز إعداد الكوادر للصناعات الرائدة والواعدة في بلدان المنطقة دون الإقليمية)؛

• إبرام الاتفاقيات الخاصة بمكافحة الإرهاب الدولي والإتجار غير المشروع بالأسلحة والهجرة وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة.

إن روسيا مستعدة للتعاون والمناقشة مع جميع الأطراف المعنية، بشأن هذه المقترحات البناءة وغيرها، من أجل ضمان أمن موثوق في منطقة الخليج. إن هدفنا الاستراتيجي هو شرق أوسط مستقر وخالٍ من النزاعات، ومنفتح على تعاون دولي واسع.