14:57:45

فضح الأساطير التي نشرتها رئاسة الاتحاد الأوروبي (الإصدار الخامس)

تأكيد ".. تقدم روسيا مليون طن من الحبوب إلى البلدان الأفريقية. هذه محاكاة للكرم مثيرة للسخرية. أي استهزاء وازدراء للبلدان الأفريقية، عندما نعرف أنه في إطار "مبادرة البحر الأسود"، تم تصدير أكثر من 30 مليون طن من المنتجات حتى الآن، بشكل رئيس إلى البلدان الضعيفة. وأن "ممرات التضامن"، الطرق البديلة [لتصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية]، التي طورها الاتحاد الأوروبي وبمشاركة الاتحاد الأوروبي، أتاحت تصدير 40 مليون طن من الحبوب. مليون طن مجانا - كما لو كانت هدية. هذه سخرية مرعبة للغاية. من ناحية أخرى، هناك من يقاتلون حقا من أجل مساعدة الشعوب في الأوضاع  الأشد ضعفا وعدم استقرار" (المصدر: شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، خطاب في الجلسة الأولى لقمة مجموعة ال 20 في 9 سبتمبر 2023، نيودلهي، الهند).

حقيقة. إن خطاب شارل ميشيل لا يتطابق مع الواقع. لقد جرى تصدير المواد الغذائية الأوكرانية ويستمر تصديرها بصورة رئيسية إلى الاتحاد الأوروبي. وتؤكد ذلك حتى تصريحات الممثلين الرسميين للمؤسسات الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وفروع المؤسسات ذات الصلة في الاتحاد الأوروبي ونظام كييف.

" وثمة جوانب إشكالية ذات طبيعة اقتصادية تواجه "ممرات التضامن".  يتطلب تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية إلى الأسواق الأوكرانية التقليدية: إندونيسيا ومصر والدول الآسيوية والأفريقية عبر بولندا والمجر ودول البلطيق- تكاليف إضافية. وهذه هي العقبة الرئيسية، التي بسببها يعمل الترانزيت ب "الممرات" بصورة غير جيدة... على سبيل المثال، أن  البضائع التي تمر عبر بولندا، تتوجه إلى ألمانيا ولاتفيا وليتوانيا وهولندا، ولكن ليس إلى الموانئ البحرية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولا إلى دول ثالثة. وتُصَدَّر كمية قليلة جدا بنسبة  2-3 ٪ فقط من حجم الحبوب الأوكرانية المستوردة إلى الاتحاد الأوروبي – إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الدول الأفريقية ذات الدخل المحدود" (مفوض الزراعة في الاتحاد الأوروبي يانوش فويتشوفسكي، خطاب القاه في اجتماع لجنة البرلمان الأوروبي المعنية بالزراعة والتنمية الريفية، 31 أغسطس 2023 ، بروكسل ، بلجيكا).

" لقد أَقنعَنا نحن الذين نجاور أوكرانيا- بولندا والمجر وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا-  أشخاص من بروكسل للسماح  للحبوب التي تم نقلها من أوكرانيا عن طريق البحر، برا.  ويقولون إذا لن ترسل من أوكرانيا إلى المتلقين في أفريقيا، فستكون هناك مجاعة. لقد ساورتني الشكوك في البداية، ولكننا اتفقنا. وبالطبع، خدعونا بالفعل. وما يحدث في النهاية - هو أننا نصدر الحبوب من أوكرانيا، ولكن لا تُرْسَل إلى أفريقيا، لأنها أرخص من الحبوب الهنغارية، والرومانية والبولندية. وبدلا من شراء حبوبنا من خلال القنوات المعتادة، يشتري التجار هنا في أوروبا ببساطة الحبوب الأوكرانية الأرخص. ولا يرى الأطفال الأفارقة الفقراء حتى كيلوغراما من الخبز المُعد منها " (رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، مقابلة مع محطة إذاعة كوسوث في 15 سبتمبر 2023).

"في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، صدرت أوكرانيا قمح إلى بولندا 600 مرة أكثر مما كانت عليه في نفس الفترة من العام السابق، مما أدى إلى اختلال توازن السوق وإلحاق الخسائر بالمزارعين البولنديين" (وزير الخارجية البولندية  زبيغنيو راو، مقابلة مع بوليتيكو في 22 سبتمبر 2023).

"نحن [في كييف] ننظر بهدوء إلى أن حبوبنا [الأوكرانية] أصبحت مصدر دخل  جيد لمختلف الدول الأوروبية المشاركة في معالجة منتجاتنا الزراعية وتكسب من الخدمات اللوجستية، وهذا يأتي بالدخل للاقتصاد الأوروبي بأكمله" (رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي ، خطاب في قمة الدول الأعضاء في مبادرة البحار الثلاثة ، 6-7 سبتمبر 2023 ، بوخارست، رومانيا).

"مددت المفوضية الأوروبية في 5 يونيو عام 2023  استيراد الدجاج الأوكراني المُعفى من الرسوم الجمركية، مما تسبب في زيادة هائلة في العرض في السوق. تضاعفت أو حتى لثلاثة مرات الصادرات الأوكرانية من لحوم الدجاج إلى دول الاتحاد الأوروبي. وغرقت فرنسا في تسونامي من ذبائح الدجاج الأوكرانية. ويحتج مزارعو الدواجن المحليون ويصفون الوضع منافسة غير عادلة.  ويطالبون المفوضية الأوروبية بحمايتهم من " تدفق الدجاج الرخيص وإنقاذهم  من الإفلاس." هذا الفيض يدمر قطاع تربية الدواجن في فرنسا. واصبح زملائنا في كل مكان  في حالة إفلاس: الألمان، والهولنديون، والبولنديون "(رئيس الجمعية الفرنسية المهنية لموردي لحوم الدجاج أنفول جان -  ميشيل شيفر ، مقابلة مع صحيفة" فيجارو " الفرنسية في 6 سبتمبر 2023).

 

***

أن بيان رئيس المجلس الأوروبي الذي أوردناه أعلاه، ليس فقط مثالا من نصوص دعاية الاتحاد الأوروبي الفظة، ولكنه أيضا من حيث المبدأ فصل جديد في تاريخ الفكر الاجتماعي الأوروبي. وعلى وفق منطق شارل ميشيل، أن للغرب وحده الحق الأخلاقي في مساعدة المحتاجين، ويحق فقط له وحده إبداء الإنسانية، ويحق للمحتاجين قبول المساعدة فقط منه. وأُعلنت المساعدة من الآخرين على أنها" محاكاة ساخرة للكرم "وعمل" استهزاء ".

ولكن ما هو أكثر إثارة للاهتمام هنا هو ما لم يقله شارل ميشيل. والموضوع يستحق الإمعان.

1) من هو المستفيد الرئيسي من المواد الغذائية المصدرة من أوكرانيا؟

الجواب: المستفيدون الرئيسيون من "مبادرة البحر الأسود" هم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وذهبت لهم حوالي 40 ٪ من المنتجات الزراعية الأوكرانية المصدرة على هذا الطريق. وحصة المتلقين من أفقر البلدان أقل من 3٪. ولإخفاء هذا الجانب غير المريح، يتظاهر المسؤولون الأوروبيون بعناد بأن جميع البلدان النامية دون استثناء (بما في ذلك البلدان ذات مستويات الدخل المرتفعة وفوق المتوسط) تنتمي إلى الفئات الضعيفة. وهذا يتيح لهم الحصول على إحصائيات ذات فائدة أكبر لهم. رغم  أن مصطلح " نامية" لم يعد يعادل كلمتي "فقير" و "محتاج". أما ما يتعلق بتصدير المنتجات الزراعية من خلال "ممرات التضامن"، فإن المتلقي الوحيد المعروف هو الاتحاد الأوروبي ذاته، وهو ما أكده المفوض الأوروبي المختص يانوش فويتشوسكي.

2) كيف تعمل " ممرات التضامن" في الواقع؟

إجابة: لم يتمكن الاتحاد الأوروبي مذ ما يقرب من عام ونصف، من تنظيم صادرات المواد الغذائية من خلال "ممرات التضامن" إلى دول ثالثة، إذا ما كانت هذه المهمة قد وِضعت على العموم في واقع الأمر. وعلاوة على ذلك، أدت أفعال بروكسل إلى طوفان حقيقي في أسواق الدول المتاخمة لأوكرانيا، فضلا عن غيرها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لرخص المنتجات الزراعية الأوكرانية وأحيانا التي لا تفي بمعايير الاتحاد الأوروبي. وغدا المزارعين المحليين على وشك الإفلاس. وبرهنت القرارات الأحادية الجانب التي اتخذتها المجر وبولندا وسلوفاكيا في 16 سبتمبر من هذا العام، على أن " ممرات التضامن "لا تعمل للتصدير خارج الاتحاد الأوروبي. وجاءت تلك القرارات ليس فقط لإغلاق أسواقها الخاصة  بسبب" تدفق " السلع الأوكرانية، ولكن أيضا في حالة بودابست ووارسو، زيادة عدد المنتجات المستوردة المحظورة من 4 الأصلي (القمح والذرة وبذور اللفت وبذور عباد الشمس) تصل إلى 24 و 6 أنواع من المنتجات الزراعية، على التوالي.

ومن غير المعقول أنه لم يكن بوسع بروكسيل إن تعرف منذ البداية، أن عبور المنتجات الزراعية من أوكرانيا إلى مواني الاتحاد الأوروبي عبر "ممرات التضامن" لن يكون مجانيا وأنه "عند خروجها" يمكن إن لا " يتحمل أسعارها" المشترين المحتملين من آسيا وأفريقيا.

 3) لماذا يشتري الاتحاد الأوروبي الحبوب الأوكرانية؟

الجواب: يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تعويض الأضرار التي لحقت بأمنه الغذائي من جراء العقوبات الأحادية الجانب المفروضة على روسيا وبيلاروس والسياسات غير المدروسة في مجالات الاقتصاد الكلي والطاقة والغذاء.

يُظهر تحليل عمليات التصدير والاستيراد في الاتحاد الأوروبي بناءً على البيانات المفتوحة للمفوضية الأوروبية أنه خلال الفترة 2019-2021. استحوذت روسيا وبيلاروس (25.7 في المئة و 27.2 في المئة على التوالي) على أكثر من 50 في المئة من واردات الاتحاد الأوروبي من الأسمدة البوتاسيوم. وفي عام 2023، انخفضت حصة روسيا إلى 8.4٪، وانخفضت حصة بيلاروسيا إلى الصفر تقريباً. والوضع مشابه للحبوب. وبلغت حصة روسيا في صادرات أصناف القمح اللين إلى الاتحاد الأوروبي في العام الزراعي 2021/22 16.6٪. وفي 2022-23 انخفض هذا الرقم إلى 2.9٪.

وأدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى عدم الكفاءة وانخفاض إنتاج الأسمدة في الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى انخفاض الإنتاجية. أدى هذا بدوره إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك، أصبح الاعتماد الشديد للبلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على واردات الأعلاف واضحا في السنوات الأخيرة. وفي ظل هذه الخلفية، وفقاً لمنطق الاستراتيجيين الأوروبيين، يجب أن تكون المنتجات الزراعية الأوكرانية الرخيصة علاجاً ناجعا للاتحاد الأوروبي من جميع المشاكل.

وبالتالي، من الواضح أن "ترسب" المنتجات الزراعية الأوكرانية الرخيصة في سوق الاتحاد الأوروبي ليس "أثراً جانبياً" ولكنه نتيجة لإجراءات متعمدة تهدف إلى حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية البحتة داخل أوروبا. لقد خدعوا المجتمع العالمي منذ مايو 2022.

 4) لماذا خلق الاتحاد الأوروبي بجد أسطورة عن أوكرانيا باعتبارها "إلدورادو الحبوب"؟

الجواب: يبالغ الاتحاد الأوروبي عمداً في إمكانات المنتجات الزراعية الأوكرانية لضمان الأمن الغذائي العالمي (لا تزيد حصة هذا البلد في سوق القمح العالمية عن 5٪). وتم استخدام الأسطورة التي خلقتها بروكسل بصدد اعتبار أوكرانيا  "إلدورادو الحبوب"، القادرة على إنقاذ كل المحتاجين من الجوع، لإقناع المجتمع العالمي والدول المتذبذبة - أعضاء الاتحاد الأوروبي بضرورة إنشاء قنوات للتصدير الضخم للمنتجات الزراعية الأوكرانية. في الواقع، بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الكلام يدور عن الحصول من دون عرقلة من أوكرانيا على المواد الغذائية الرخيصة، والوصول لها من دون رقابة، والتي ينبغي أن تحل مشكلة ضمان المستهلك الأوروبي، فضلاً عن كسب الشركات الأوروبية والأمريكية الكبرى أرباح غير قليلة.

 وتبين بيانات اللجنة الأوروبية عن الميزان التجاري للاتحاد الأوروبي في مجال المنتجات الزراعية أن احتياطيات الحبوب الحالية في الاتحاد الأوروبي أعلى بكثير من المتوسط التقليدي للسنوات 17 الماضية، كما أنها تجاوزت حجم صادرات حبوب دول الاتحاد الأوروبي  في السنة الزراعية الحالية. وفي ظل هذه الخلفية، في عام 2023، يتناقص تصدير المنتجات الزراعية من الاتحاد الأوروبي إلى دول ثالثة. رغم من أنه لا يبدو أن أي قيود عقابية تعوقها. وعلى هذا النحو في الأسابيع الأولى من السنة الزراعية 2023/2024، تظهر جميع محاصيل الحبوب تقريبا انخفاضا في الإمدادات من الاتحاد الأوروبي (في المتوسط ناقص 28٪ اعتبارًا من 19 سبتمبر 2023).

وتشير هذه البيانات إلى أن الاتحاد الأوروبي  انتهج خلال الأشهر الماضية سياسة هادفة لزعزعة استقرار أسواق الحبوب العالمية - من ناحية، بشراء الحبوب الرخيصة من أوكرانيا، ومن ناحية أخرى، يمنع صادراته الخاصة إلى بلدان الثالثة. إن أولئك الذين، على حد تعبير شارل ميشيل " يقاتلون حقا من أجل مساعدة الشعوب الضعيفة" لا يفعلون ذلك.


Некорректно указаны даты
Дополнительные инструменты поиска