19:18:00

بصدد "الفيلم الوثائقي" غير الموثوق به لشركة التلفزيون البريطانية " بي بي سي"

يعد مسلسل  الفيلم " الوثائقي "الجديد لـ  لقناة " بي بي سي "البريطانية والذي جاء  بعنوان  صارخ " بوتين ضد الغرب"، مثالا بالغا على التلاعب الإعلامي. إن هذ  المسلسل  الذي عرض على شاشات التلفزيون والكمبيوتر في فبراير، من الأعمال الدعائية الرخيصة، ، يكشف بشكل ساطع وكامل عن منهجية وأدوات الدعاية الغربية (والإنجليزية بمنزلة جوهرها)، التي تحولت الآن إلى أداة للكفاح من أجل السيطرة على "عقول وقلوب" سكان كوكبنا. وعلى أساس أحداث واقعية كما لو أنها قريبة من الحقيقة، مصحوبة بتجميع وتسلسل الصور في تسجيل الفيديو عالي الجودة واقتباسات من " الشخصيات ذات المكانة" الغربية ، تم تشكيل صف فكري مشوه بكل معنى الكلمة وبمهارة "مقلوب رأسا على عقب".

من دون ريب إن مؤلفي هذا المسلسل التلفزيوني الممتع فهموا مهمتهم بشكل صحيح ، والمتمثلة بالرد بقدر ما لديهم من قوة (وخيال)، على حجج روسيا، التي تعتبرها معظم دول العالم بانها عادلة. الحجج عن أن الغرب بالذات هو الذي سار لعقود على طريق تعميق المواجهة مع بلدنا. فخصومنا بالذات هم الذين تجاهلوا المقترحات الروسية بشأن تجسيد في الحياة مبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة في أوروبا، وبناء فضاء اقتصادي وإنساني مشترك في القارة من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال. وعلى الخلاف من المعارضة الروسية،  قاموا بتوسيع الناتو بعناد، ونقلوا بشكل منهجي القدرات العسكرية التقنية للتحالف إلى تخوم بلدنا. ومارسوا بنشاط " الهندسة الاجتماعية " في البلدان المجاورة، والمساهمة في تغيير الأنظمة فيها لتكون على نهج  معادي لروسيا ومعادي بشكل سافر لبلدنا. وأخيرا، وبوتائر سريعة، حولوا أولا وقبل كل شيء أوكرانيا الشقيقة وقيادتها إلى بؤرة للنازية الجديدة وأيديولوجية الرهاب من روسيا، وموقع أمامي للعسكرة الغربية و"لاعب ـ وكيل" منتفخ بالمال والأسلحة الغربية، ومدمر (كما يعترف مسؤولو كييف)  لبلده من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية لواشنطن ولندن.

بيد أن المُشاهد  لن يرى بالطبع كل هذا في الفيلم ولن يسمع عنه. لن يخبروه عن الدوافع التي حفزت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تجاهل سياسة التمييز العرقي ضد الروس في دول البلطيق على مدى عقود من الزمن، والتي ألهمت نظام كييف لقمع حقوق السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا، ثم التصفية البدنية  لـ " اللا بشر" في منطقة الدونباس. ولن يُلَمْحوا عن  حضور " الضيوف" رفيعي المستوى من البيت الأبيض وهيئات بروكسل  الأوروبية، في ميدان كييف في شتاء عام 2013، الذين بمباركتهم ودعمهم المالي السخي تم تدبير الانقلاب الحكومي غير الدستوري في أوكرانيا.  وسيحمون من المشاهد غير المريحة لقصف الدونباس بصورة همجية، الذي  نظمته طغمة كييف العسكرية وشركاؤها، وكذلك مواكب المشاعل للنازيين الأوكرانيين التي طافت في شوارع كييف. يتم التكتم في الفيلم على كل هذه المواضيع، الكريهة للغاية للغرب "المستنير"، باهتمام ومثابرة.

والمسلسل التلفزيوني البريطاني مفعم أكثر من اللازم بتكرار الكليشيهات المبتذلة والادعاءات ضدنا. وهنا نجد "حالة سكريبال" سيئة السمعة، وتقويض معاهدة الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى، وكارثة الرحلة الجوية م-17، وأكثر من ذلك بكثير. ويُنظر في كل حدث من هذه الأحداث بصورة عادية، دون تمحيص وبشكل قطعي، دون التعمق في جوهر الحجج الروسية، التي تظهر في الفيلم فقط كملحق ضروري "للتوازن" للفرضيات الغربية التي مسبقا لا جدال فيها. واللافت أن وجهة نظرنا إما غائبة في الفيلم، أو انحصرت بانتزاع عبارات من الخطب والمقابلات مع المسؤولين الروس التي تم إخراجها من سياقها، أو – ما هو أكثر وقاحة – يجري تقديمها في تفسير مبتذل ومشوه تماما من قبل مسؤولين غربيين، وكثير منهم (مثل داليا.جريباوسكايت، ورادسلاف سيكورسكي، ومايكل ماكفول)، لم يخفوا أبدا تحيزهم الشخصي المعادي لروسيا.

لتوضيح المنهجية التي استخدمها واضعوا المسلسل، دعونا نتحول إلى الحلقة الثانية من الفيلم : حول الوضع في سوريا وما يتعلق بها. إن الفكرة الرئيسية للسرد تنحصر بلا أساس في أن القيادة الروسية، برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين، تجنبت بكل الطرق إيجاد لغة مشتركة مع النظراء الغربيين من أجل إبقاء بشار الأسد في السلطة في الجمهورية العربية بإيما ثمن كان. وعلى خلفية التهم الباطلة بعدم صدق نيات القيادة الروسية، تجاهل الفيلم مبادرات موسكو وتصريحاتها الكثيرة، الهادفة إلى منع سيناريو الإطاحة بالقوة بالرئيس السوري، الأمر الذي كان سيؤدي حتما إلى إغراق البلاد في حالة من الفوضى، وقد أتيح للمجتمع الدولي فرصة الاقتناع باحتمال مثل ذلك التطور بمثال الأحداث المعروفة في العراق، ثم في ليبيا. كما لم يتم تسليط الضوء على أهم مبادرة في "صيغة أستانا" بشأن تشكيل اللجنة الدستورية ، التي تتمثل مهمتها في إعداد مقترحات لإدخال تعديلات على القانون الأساسي للجمهورية العربية.  ولأسباب لم نفهمها لم يتم تضمين في هذه الحلقة الموضوعات الرئيسية من مقابلة السفير الروسي في المملكة المتحدة أندري كيلين، الذي شرح بالتفصيل موقف بلدنا.

وفي غضون ذلك، يجري الصمت على مشاركة الغرب الواضحة في اندلاع الحرب الأهلية في سوريا. وبذله محاولة  للإطاحة ببشار الأسد تحت ستار "إشاعة الدمقراطية" في البلاد. لم يشر بأي كلمة الى دعم لندن وحلفائها الكثيف لأنشطة المنظمة غير الحكومية الإنسانية الزائفة "الخوذ البيضاء"، المسؤولة بشكل مباشر عن تنظيم عدد من الاستفزازات باستعمال الأسلحة الكيميائية في سوريا، بما في ذلك مأساة الغوطة الشرقية (أغسطس 2013) المذكورة في الفيلم، التي اُرتكبت لتشويه سمعة سلطات الجمهورية العربية السورية وروسيا. وأخيرا، في الوقت الذي انتقد المؤلفون موسكو بزعم سقوط الكثير من الضحايا المدنيين خلال عملية تحرير حلب، فضلوا وببساطة " تناسي" القصف القاسي حقا للرقة السورية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا في عام 2017، حيث تم محو المدينة التي يبلغ عدد سكانها 300 ألف شخص، وبكل معنى الكلمة، من على وجه الأرض.

وبشكل عام ، على خلفية هدهدة الجمهور بتكرار المعلومات التي وضعتها وسائل الإعلام الغربية، والتي يزعم أنها تشهد على تورط موسكو في الأحداث الرنانة التي وقعت في الماضي القريب، فإن الشيء الرئيس يذهب إلى الخلفية، أي التحليل الفعلي لأسباب زعزعة الاستقرار الحالية للوضع العسكري السياسي في أوروبا، المرتبط بالسياسات المدمرة للدول الغربية، والتجاهل التام لمخاوف روسيا ومصالحها.  لقد زرع المؤلفون" الأشجار" بعناية، بطريقة لا يمكن رؤية" الغابة " خلفها.

للسبب نفسه، على ما يبدو، تم تسليط الضوء بشكل سطحي للغاية على المقترحات التي قدمها بلدنا في نهاية عام 2021 بشأن الضمانات الأمنية. ليس ثمة في مطالبنا بعدم قبول أعضاء جدد في الناتو، بما في ذلك أوكرانيا، وإعادة القوات والأسلحة في البلدان الجديدة التي انضمت للحلف الى ما كان عليه عام 1997، والتخلي عن الأنشطة العسكرية وعن نشر الصواريخ ذات المرابطة الأرضية المتوسطة وقصيرة  المدى في المناطق المجاورة لروسيا، ما هو خارق للطبيعة، إذا كان على المحك الحفاظ على الاستقرار في الفضاء الأوروبي الأطلسي. بيد أن مقترحاتنا الجادة للغاية لم تُقدم بأي شكل من الأشكال في الفيلم.

وبالمحصلة لدينا مرة أخرى ليست محاولة لتحليل الأسباب الجذرية للأزمة الأمنية في أوروبا، والتي تعود أصولها إلى أواخر عام 1990 - أوائل عام 2000 ، ولكن كتلة مفككة وافتراءات مملة للغاية ضد روسيا. بصراحة إن المؤلفين لم يحسنوا أداء المهمة التي أعلنوها بأنفسهم، مهمة التغطية الموضوعية لفترة تفاقم العلاقات بين روسيا والغرب.

https://www.bbc.co.uk/iplayer/episodes/p0dlz7gc/putin-vs-the-west


Дополнительные материалы

  • Фото

Фотоальбом

1 из 1 фотографий в альбоме