من كلمة المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في الموتمر الصحفي بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2018
بصدد تطور الوضع في سوريا
مازال الوضع في سورية غير مستقر، ويستمر تنفيذ مذكرة التفاهم حول استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب، التي تم التوصل إليها بعد المباحثات التي جرت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي أردوغان في سوتشي 17 أيلول/سبتمبر. وكان ينبغي في يوم الاثنين 15 تشرين الأول/أكتوبر أن تغادر جميع الجماعات الراديكالية المنطقة منزوعة السلاح. بالفعل هناك جزء من المسلحين غادر المنطقة بعدما تم سحب الأسلحة الثقيلة، لكن الإرهابيين من هيئة تحرير الشام (سابقاً جبهة النصرة) رفضوا القيام بذلك. إذ تمكن تنظيم جبهة النصرة من استقطاب عدد من الجماعات الأخرى التابعة لتنظيم القاعدة، وعلى وجه الخصوص، "حراس الدين" و"حزب تركستان الإسلامي". وبالتالي استطاع الإرهابيون من إنشاء مقر موحد بهدف مواصلة الاستفزازات. ونحن نأمل في أن يتمكن الشركاء الأتراك من استكمال الجزء الخاص بهم من العمل في المذكرة وضمان تنفيذها بالكامل.
لا يزال الوضع في شمال شرق سورية مضطرباً، حيث يحاول الأمريكيون، الذين يعتمدوا على حلفائهم الأكراد، إنشاء ما يشبه مؤسسات الدولة بدلاً من تلك الموجودة لدى السلطات الشرعية السورية. وهنا لابد من الإشارة إلى أن نشاط هذه المؤسسات غير فعال نهائياً، ويثير غضب واحتجاجات السكان المحليين. حيث كثرت حالات الهجمات المسلحة والهجمات الإرهابية إن كان ذلك من تنظيم داعش أو من المليشيات المسلحة غير القانونية الجديدة التي نشأت على أساس الاستياء وعدم الرضا من "الحكام" الذين نصّبوا أنفسهم بأنفسهم.
في الآونة الأخيرة أسر تنظيم داعش عدة مئات من السكان المدنيين في مخيم "البحرة" للنازحين الذي تركه الأكراد دون حماية. معظم الرهائن هم من سكان القرى الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، حيث تمكنوا في وقت من الأوقات من الفرار على أمل العثور على الخلاص من عنف الإرهابيين والتفجيرات المدمرة وهجمات الأكراد المدعومين من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ووفقاً لبعض التقارير فقد قام تنظيم داعش بإعدام عشرات من هؤلاء الرهائن.
إن المليشيات الكردية تقدم الدعم للقوات الأمريكية، لكنهم يفعلون ذلك بشكل غريب جداً، والمقصود هنا بشكل غير مهني وغير دقيق. وغالباً لا تحقق التصرفات العشوائية والعنيفة للأمريكيين النتيجة المرجوة والمطلوبة. ففي يوم السبت الماضي ذكرت وسائل الإعلام السورية أنباءً تفيد بأن طيران التحالف الدولي استخدم الأسلحة الفوسفورية المحرمة دولياً في قرية هجين. لقد قتل العديد من المدنيين من النساء والأطفال. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم توقع على البرتوكول الإضافي لمعاهدة جنيف عام 1949 ومعاهدة الأسلحة التقليدية الخاصة لعام 1980، التي تعترف بأن الذخائر الفوسفورية هي أسلحة دمار شامل ويحظر استخدامها. ومع ذلك فإن القوات الأمريكية تدرك تماماً عواقب استخدام هذا النوع من الأسلحة في المناطق السكنية.
ومن بين النقاط الإيجابية نود الإشارة إلى ما يلي: هناك عمل مستمر وجهود متواصلة لإعادة الحياة الطبيعية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية.
في 15 تشرين الأول/أكتوبر تم فتح معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية. وبالتالي تم استعادة حركة الناس والبضائع على الطريق الدولي السريع الذي يربط بيروت ودمشق بـ عمان. وهنا من الصعوبة بمكان تقييم أهمية هذا الحدث من حيث استعادة النشاط الاقتصادي في سورية نفسها وعلاقاتها مع الدول المجاورة. إذ تم فتح باب إمكانية عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين وجدوا المأوى المؤقت في الأردن. وهنا نود التأكيد بشكل منفصل على المساهمة الكبيرة متعددة الأشكال والأبعاد للقوات الروسية في ضمان إطلاق عمل هذه المعبر الحدودي، وكذلك معبر القنيطرة الواقع على خط الفصل بين إسرائيل وسورية، والذي تم إنشاؤه من قبل الأمم المتحدة بموجب الاتفاق ذي الصلة المؤرخ في 31 أيار/مايو 1974.
ووفقاً للمعلومات الواردة، وبعد المماطلة الطويلة، وافقت الولايات المتحدة على توفير ضمانات أمنية لسير القوافل الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر الدولية وجمعية الهلال الأحمر السورية، في منطقة قطرها 55 كيلومتر، وضعتها واشنطن بشكل تعسفي حول قاعدتها العسكرية "التنف" غير القانونية. وهنا لابد أن نذكر بالطريقة الهيسترية التي طالب بها زملاؤنا الغربيون من أجل تمرير قوافل المساعدات الإنسانية والشاحنات في مناطق أخرى من سورية، ولكن الآن عندما يتعلق الأمر بالأراضي التي يسيطرون عليها، ويقومون بذلك بشكل غير شرعي، فإن السماح لقوافل المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة أصبحت مسألة محرجة للغاية. إن القافلة، التي كانت قد تشكلت منذ فترة طويلة، ينبغي أن تنقل من الأراضي، التي تسيطر عليها الحكومة السورية، المساعدات الطبية والغذائية وغيرها لسكان مخيم النازحين "الركبان". ونحن نعول على أن يتم تنفيذ هذه الفعالية الإنسانية في أقرب وقت ممكن.
في الوقت نفسه فإن عدم إمكانية وصول السلطات السورية الرسمية إلى منطقة "التنف"، التي يسيطر عليها الأمريكيون، يعقد بشكل خطير الوضع في المناطق الجنوبية من سورية، ويحوّل هذه الأراضي، المحتلة فعلياً من الولايات المتحدة، إلى ملاذ آمن للإرهابيين والمتطرفين، ويمنع تنظيم العودة الطوعية والآمنة لعشرات الآلاف من الناس المحاصرين في مخيم "الركبان" على مدى أشهر إلى أماكن إقامتهم الدائمة.